للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التجسس]

يقول ربنا جل وعلا: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:١٢] يا له من مبدأ عظيم! ويا له من مبدأ خطير وضعه الإسلام قبل أن تتغنى الدول المتحضرة بذلك كله الإسلام وضع هذا المنهج من مئات السنين: {وَلا تَجَسَّسُوا}.

إن للمسلمين في المجتمع الإسلامي حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز بصورة من الصور أن تنتهك، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يعتدى عليها؛ لأن التجسس -أيها الأحباب- هو الحركة العملية التالية للظن، فإذا ظن المؤمن بأخيه شراً تاقت نفسه وتشوقت إلى أن يتجسس على حاله.

والتجسس هو: انتهاك لحرمات المسلمين والآخرين، ويأتي القرآن الكريم ليشدد في النكير على هذا المرض الخبيث اللئيم {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:١٢] إن للمسلمين حرياتهم إن للمسلمين كراماتهم إن للمسلمين عوراتهم ولا يجوز بحال من الأحوال أن نتخطى هذه الستور والحدود لنصل إلى ما لا يظهر لنا، بل أظهروا لنا أحسن أعمالكم والله أعلم بالسرائر، نحن لا نحكم على القلوب، ولا نشق عن البطون، وإنما يجب على كل مسلم أن يحكم على أخيه بما ظهر له من قوله وفعله.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بعث علي بن أبي طالب بذهيبة -أي: بقطعة صغيرة من الذهب- وهو في اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة، فقال رجل منهم -وكأنه لم تعجبه قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم-: اتق الله يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟! ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ قال: لا.

لعله أن يكون يصلي، فقال خالد بن الوليد: فكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه -أتدرون ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ - قال عليه الصلاة والسلام: إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم).

نحن لنا الظاهر، لا نتجسس، ولا نعطي لأنفسنا الحق أن نبحث عما وراء الستور والحدود: (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم).

وفي الحديث الذي رواه الإمام أبو داود في سننه ورواه الإمام أحمد في مسنده وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال واسمعوا إلى هذا البيان الذي يخلع القلوب من الصدور، قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) اللهم سلمنا وإياكم، وهذا هو محل الشاهد في الحديث أيها الأحباب: (ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) وفي رواية أخرى: (يفضحه الله في جوف بيته) في قعر داره يفضحه الله جل وعلا.

الذي يتجسس على إخوانه ويتتبع عوراتهم فإن الله جل وعلا آجلاً أو عاجلاً إن لم يرجع ولم يتب إلى الله تبارك وتعالى سيفضحه في قعر داره وجوف بيته: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:١٢].