للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لجنة الامتحان]

أولاً: لجنة الامتحان، اللجنة التي سوف تمتحن فيها: هي القبر.

ومن سيمتحنك؟ يمتحنك في القبر الملكان: منكر ونكير.

ورقة الأسئلة فيها ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: من ربك؟ السؤال الثاني: من نبيك؟ السؤال الثالث: ما دينك؟ ماذا سيقول المؤمن؟ ربي الله حقاً، ومحمد نبيي صدقاً، وديني الإسلام، الجواب سهل جداً في هذا الوقت، كلنا أجبنا، الكل قال: ربي الله، ورسولي محمد صلى الله عليه وسلم، وديني الإسلام، ولكن الأمر هناك ليس سهلاً كما تتخيلون! وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

فاللجنة صعبة جداً، وجو اللجنة مرعب؛ لأنه مكان ضيق ومظلم، ولكنه ضيق على من ضيقه الله عليه، وواسع على من وسعه الله عليه، ومظلم على من أظلمه الله عليه، ومضيء لمن نوره الله عليه.

وكي تحس برعب لجنة الامتحان تلك، أطفئ النور في البيت، أو ادخل غرفتك وأطفئ نور البيت كله، وعتم غرفتك تماماً، واترك أولادك في الخارج، أو كن في مكان لوحدك في البيت، ونم على سريرك، وليس على الأرض، وتذكر القبر.

والله العظيم سوف تحس أن الأمر صعب جداً، سوف تحس أن الأمر شديد، كان أحد الصالحين إذا أراد أن يذكر نفسه بالقبر، وبالآخرة، وذلك إذا وجد أن الدنيا قد سيطرت عليه: يسمع الأذان فلا يجيب ويقول لك: لا، أنا واقف في المحل حقي، والعمل عبادة!! أي عبادة هذه التي منعتك عن السجود والركوع لمن أنعم عليك؟! المؤذن يقول له: حي على الصلاة، وهو جالس يلعب دمنة في الخارج!! المؤذن يقول له: حي على الصلاة، وهو يقول: لا، إلى أن تنتهي المباراة! المؤذن يقول له: حي على الصلاة، وهو يقول: لا، العمل ورزق العيال أولى، إنا لله وإنا إليه راجعون!! تذكر حالك عندما تكون واقفاً على طابور الجمعية، أو على طابور الخبز ثلاث ساعات؛ من أجل أن تحصل على خمسة أرغفة، أتستكثر العشر الدقائق على الله؟! هذا عجيب!! مضيع الوقت كله للدنيا، وعند العشر الدقائق التي هي زمن الصلاة يقول: العمل عبادة، نحن نطلب رزق العيال، من أين آتي لأولادي بالأكل؟! إنا لله وإنا إليه راجعون!! كان أحد الصالحين إذا سيطرت عليه الدنيا قليلاً، وأحب أن يذكر نفسه بالآخرة، حفر لنفسه قبراً في وسط الصالة، بدلاً من أن يضع طاولة السفرة، التي تعمل لنا مشاكل في كل يوم! تجيء الزوجة، وتقول: لو ما كانت طاولة السفرة بثمانية كراسي ما كان هناك زواج.

فجاء الرجل الصالح هذا إلى مكان طاولة السفرة، وحفر قبراً وغطاه بخشب، وعندما تسيطر الدنيا على قلبه قليلاً، ينزل إلى القبر، فيغلق القبر على نفسه بهذه الخشبة، ويظل يصرخ ويبكي ويصيح وينادي ويقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠]، حتى إذا ما انقطعت أنفاسه، وغرق في عرقه، دفع الخشبة برجله، وخرج إلى النور والهواء، وبكى وأكثر من البكاء، وقال لنفسه: ها أنتِ يا نفس! قد عدتِ وخرجت، فاعملي بما قلتِ، ثم يقول: والله إني لخائف أن تنزلي هذا القبر يوماً، وتنادين: رب ارجعون، فلا يستجاب لكِ! إذاً: لجنة الامتحان صعبة جداً، تخيل لو أن شخصاً أتى إليك وقال: أنت مطلوب غداً للمحكمة! أتحداك إن تنام تلك الليلة!! لن تنام أبداً! وسوف تسهر طوال الليل وأنت تفكر، وتقول: ماذا عملت؟ ماذا سيسألني؟ ماذا سأقول له؟! وهذا كله مع أنك سوف تعرض على محكمة سوف يحاسبك فيها إنسان!! فكيف سيكون حالك إذا ما عرضت على محكمة أحكم الحاكمين؟! هذه المحكمة التي لا تقبل الرشوة، ولا المحسوبية، ولا تقبل المحاماة، ولا تقبل الاستئناف للأحكام؛ لأن قاضيها هو الواحد الديان، عنوانها: لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب، وصدق من قال.

مثل وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تزفر من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا فلما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا فهذه هي المحكمة وهذه لجنة الامتحان، إنه جو مرعب! ومكان صعب.

القبر الذي ينادي عليك كل يوم: يا ابن آدم! وأنت في غفلة، القبر الذي ينادي عليك كل لحظة: يا ابن آدم! وأنت في سهو ونسيان.

يقول لك: يا ابن آدم! تمشي في جماعة على ظهري، وسوف تقع وحيداً في بطني.

يا ابن آدم! تسرح وتمرح وتجري على ظهري، وسوف تبكي في بطني.

يا ابن آدم! تأكل أموال اليتامى على ظهري، وسوف يأكلك الدود في بطني.

إذا ما ذهبت إلى هذا القبر وأنت محمول على الأعناق يا غافل! يا ساهي! يا عاصي! يا تارك الصلاة! يا تارك الصيام! يا من قضيت عمرك أمام المسلسلات والأفلام! اعلم أن الذي سيحملك إلى القبر أولادك وأحبابك، وهم الذين سيضعونك ويهلون على رأسك التراب، وأنت في غفلة يا مسكين! وأنت في سهو لا تتذكر هذا المشهد، ولا تفكر في هذا اللقاء، وإذا ما ذهبت إلى هناك رجع مالك للورثة، ورجعت زوجتك لتتزوج، ورجع أولادك ليتنعموا بالأموال، أما أنت فقد وضعت في التراب، وهنا ينادى عليك بلسان الحال: عبدي! رجعوا وتركوك! وفي التراب وضعوك! وللحساب عرضوك! ولو جلسوا معك ما نفعوك! ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت! والله العظيم! لن ينفعك أحد، لا ابنك سوف ينفعك، ولا أمك سوف تنفعك، ولا زوجتك سوف تنفعك، لن ينفعك إلا عملك، يا من تلهث ولا هم لك إلا جمع المال! لن ينفعك مالك إلا إذا أخذته من الحلال، وأنفقته فيما يرضي الكبير المتعال.