للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خامساً: كيف تؤمِّن مستقبل ولدك بعد موتك؟

وأخيراً: أيها الأحبة! يبقى لنا هذا العنصر الأخير في هيئة سؤال ألا وهو: كيف تؤمِّن مستقبل ولدك بعد موتك؟

و

الجواب

مباشرة من الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] جوابٌ محكمٌ من الذي خلق، ويعلم ما خلق ومن خلق {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] يقول سيد التابعين لولده: [إني سأكثر من الطاعات براً بك] براً بولده {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:٨٠] وفي الآية الأخرى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:٨٢] طاعة الوالد، وتقوى الوالد لا تضيع أبداً لا في حياته ولا بعد مماته، كيف لا وقد دخل مسلمة بن عبد الملك ابن عم عمر بن عبد العزيز عليه وهو على فراش الموت، فقال له: [يا أمير المؤمنين! ألا توصي لأولادك بشيء؟ فهم كثير وقد أفقرتهم ولم تترك لهم شيئاً] فقال عمر بن عبد العزيز: [أتريد مني أن أوصي لهم بما ليس لي، وهل أملك شيئاً لأوصي لهم به؟ أم تريد أن أوصي لهم بحقٍ لغيرهم، فوالله لا أفعل، فإنهم أحد رجلين: إما أن يكونوا صالحين والله يتولى الصالحين، وإما أن يكونوا غير صالحين فوالله لا أترك لهم ما يستعينون به على معصية الله عز وجل، أدخلوا أولادي عليَّ! فأدخلوا أولاده عليه كالفراخ الصغيرة، وهو على فراش الموت، فودعهم عمر بهذه الكلمات التي تذيب الحجارة، وتفتت الصخور، نظر عمر إلى أولاده وقال: يا بني! إن أباكم قد خير بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل النار، وبين أن تفتقروا ويدخل الجنة، وقد اختار أبوكم الجنة، انصرفوا فأنتم وديعة عند الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين].

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] وأحب ألا يفهم كلامي فهماً خاطئاً، ويقال: بأن الشيخ يدعو إلى الدروشة، ويريد أن ينقطع الآباء إلى العبادة وينشغلوا عن الدخول في الأسباب لتوفير المال الحلال الطيب لورثتهم، كلا.

فإن الأمر بالتقوى لا يعارض ألبتة الدخول في الأسباب، فإن الدخول في الأسباب كما قال الشاطبي في الموافقات: أمر واجب شرعاً.

يجب علي وعليك أن ندخل في الأسباب، فلا مانع أن تدبر المال الحلال الطيب لولدك، ولا مانع من أن تسعى ومن أن تكدح، شريطة أن لا تضيع حق الله أو حق ولد من أولادك، فإن كثيراً من الناس قد يظن أن الكدح والسعي على الأولاد لا حرج فيه أن يضيع الصلوات، وإذا ما قلت له يرد عليك ويقول: أليس العمل عبادة؟ أنا في عبادة، فلماذا أترك هذه العبادة لآتي للصلاة، فنقول لمن هذا حاله: لا حرج أن تسعى على رزقك من الحلال لتيسر لأولادك السعة والرخاء في الدنيا وبعد موتك، شريطة ألا يشغلك هذا الكدح عن حق الله جل وعلا أو عن حقوق أولادك، فإننا نرى كثيراً ونقرأ كثيراً عن آباء قد تركوا أولادهم وانصرفوا عنهم، واهتموا بأن يدبروا لهم الطعام والشراب فقط، وظنوا أن الأمر متوقف عند المال، وعند الطعام والشراب، ثم عاد هذا الرجل وهذا الوالد المسكين بعد فترة ليرى ولده -عياذاً بالله وحفظنا الله وإياكم- مدمناً للمخدرات، أو مدمناً للهروين، أو شارباً للخمر، أو زانياً أو مسك في بيت من بيوت الدعارة؛ لأن الوالد المسكين قد ظن أن كل ما عليه تجاه ولده أن يدبر له الطعام والشراب فقط.

وهذا خطأ كبير أحذر نفسي وأحبابي منه، فإن الولد في حاجة إلى أبيه، لا إلى مال أبيه فقط، فإن وفرت له المال ويسرت له السعة والرخاء مع كل ما تملك من فكر ورحمة، وعطاء وحنان وبذل ونصح وإرشاد، وتربية على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الخير بل هو قمة الخير، بل وجزاك الله عن ذلك كل الخير، والأصل في ذلك حديث مسلم (أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن أبي وقاص وهو مريض فقال سعد: يا رسول الله! هل أتصدق بنصف مالي؟ قال الرسول: لا، ثم قال: بالثلث والثلث كثير، وقال عليه الصلاة والسلام: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يسألون الناس.

أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم حصن فروجنا، وطهر أموالنا، وارزقنا الإخلاص والصدق في أقوالنا وأعمالنا أنت ولي ذلك ومولاه.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.

أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا رسول الله كما أمرنا بذلك ربنا جل وعلا فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وأقم الصلاة.