للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحيل على الربا والمحرمات]

ثالثاً: لا بد -أيها الأحباب- أن نعلم أنه لن يفرج الله همنا، ولن يكشف الله غمنا، ولن تحل أزماتنا، ولن تفرج كروبنا، ولن تعود إلينا عزتنا، ولن يعود إلينا مجدنا، ولن تعود إلينا كرامتنا إلا بالصلح مع الله، إننا نحارب الله ليل نهار بالربا الذي حرمه الله وحرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود وغيرهم، (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زينة)، وقال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩] والله الذي لا إله غيره لقد أعلن الله الحرب علينا، هل تنتظرون أزمات أفظع وأجشع مما نعيش فيه! أزمات اقتصادية، وأزمات خلقية، وأزمات في المواصلات، وأزمات في رغيف الخبز، في كل شيء، فماذا تنتظرون يا سادة؟ نقول لهم: الربا حرام، ولكنهم يحتالون عليه ليحلوه لأنفسهم، رحمة الله عليك يا ابن القيم حين قلت: إن قلت: قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالي إن قلت لهم: القرآن يقول: إن الله حرم علينا لحم الخنزير، قالوا: نعم هذا صحيح، ولكن القرآن حرم الخنازير التي كانت في أرض الجزيرة، لأنها كانت خنازير هزيلة، أما خنازير اليوم فهي سمينة جداً، وليست محرمة!! نقول لهم: الخمر حرام، يقولون: نعم، الخمر التي حرمها ربنا في القرآن حرام، لكننا لا نشرب الخمر، وإنما نشرب شمبانية، ونشرب بيره.

تقول: يا إخواننا! الربا حرام، قالوا: نعم، الربا حرام حرمه ربنا، لكن هذا الذي نأكله اسمه فوائد البنوك، اسمه شهادات الادخار، اسمه شهادات الاستثمار وفيها (أ، ب، ج)، وقالوا: بأن (أ، ب) حرام، و " ج " حلال، وفي الحقيقة كلها حرام حتى مجموعة (ج)، وهي نوع من أنواع المقامرة، والمقامرة محرمة شرعاً في الإسلام، كأن يأخذ مالك وماله ومالي، ثم يضعها على ما يسمى باليانصيب -اليانصيب الشهري، أو النصف شهري، أو السنوي أو النصف سنوي- فالذي يقع السهم على ماله هو الذي يربح كل المال وهذا هو ما يسمى في الإسلام بالمقامرة، والمقامرة محرمة شرعاً.

إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالي أو قلت قال الصحابة والأولى تبع لهم في القول والأعمال أو قلت قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والإمام العالي صدوا عن وحي الإله ودينه واحتالوا على حرام الله بالإحلال يا أمة لعبت بدين نبيها كتلاعب الصبيان في الأوحال حاشا رسول الله يحكم بالهوى والجهل تلك حكومة الضلال إذاً إخواني: لا بد وأن نعلم أنه لا عز لنا ولا كرامة إلا إذا اصطلحنا مع الله، وعدنا إلى هذا الإسلام من منطلق: أنه كل لا يتجزأ، الإسلام دين ودولة، وعقيدة وشريعة، ودنيا وآخرة: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة:٨٥].

وأقول بصدق: أخزانا الله في الحياة الدنيا، على يد أبناء القردة والخنازير، على يد دولة لا تتجاوز الخمسة مليون، وضعت أنوف المسلمين في التراب، وداست على رءوسهم بالأحذية، كتب ربنا عليهم الذلة لكنهم أذلونا، وقد سمعت عبارة من أستاذ لي والله كاد قلبي أن ينخلع لسماعها، قال لي: لقد أذلنا الله في هذه الأيام لمن كتب الله عليه الذلة والمسكنة، فهل رأيت -يا بني- أذل ممن أذله الله للأذل! هل رأيتم أذل ممن أذله الله للأذل؟ لا والله، لا ذلة بعد هذه الذلة، ولا هوان بعد هذا الهوان، تركنا كتاب الله جل وعلا وفيه دواؤنا، وفيه هدايتنا ونجاحنا وفلاحنا، وصرنا نلهث وراء الشرق الملحد ووراء الغرب الكافر، وأبينا إلا أن نتبع خطاهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه وراءهم، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا القرآن الذي جعله الله عزنا، وجعله الله فلاحنا، وجعله الله في قيادتنا، ولكننا أبينا إلا أن نضيع القرآن، أبينا إلا أن نكون كما قال الرسول: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:٣٠]، هذا القرآن الذي أنزله الله على الرسول لسعادة أمته، بل لسعادة البشرية في الدنيا والآخرة، هذا القرآن، إنه النعمة الباقية، إنه العصمة الواقية، إنه الحجة البالغة، إنه الدلالة الدامغة، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ما أنزله الله على الحبيب ليشقى به أبداً، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه:٥ - ٦].

ما أنزل الله عليك القرآن -يا محمد- لتشقى به حين تواجه به الناس، كلا، ما أنزل الله عليك القرآن إلا لتقيم به أمة، وإلا لتنظم به مجتمعاً، وإلا لتربي به العقول والقلوب والضمائر والأخلاق، ما أنزل الله القرآن ليعلق على الجدران، أو ليحلي النساء بالقرآن صدورهن، أو ليقرأ المسلمون القرآن على القبور، كلا، بل: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس:٧٠]؛ هذا القرآن تلك هي وظيفته، وهذه هي مهمته.

يوم أن جعلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن قائداً، حوَّلهم من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الأمم، ولكننا ضيعنا القرآن فضيعنا الله، ضيعنا القرآن فأذلنا الله، ضيعنا القرآن فأشقانا الله، ضيعنا القرآن فأبعدنا الله عن رحمته.

ولا بد أن نعلم أن العودة إلى هذا القرآن ليست اختياراً ولا تطوعاً، كلا، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦].

إذاً: لا بد أن نعلم أن هذه البشرية من صنع الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها إلا بالدواء الذي سوف يقدم لها من يد الله عز وجل.

لا بد أن نعود إلى مصدر عزنا، وإلى مصدر كرامتنا، وإلى مصدر رفعتنا.