للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحق الثاني: التورع في القول وحسن الظن بالإخوة]

سبحان ربي العظيم! قد لا يتورع الأخ عن أكل لحم أخيه، في الوقت الذي ترى عنده تورعاً باهتاً ربما عن أكل الحلال، إن الكلمة خطيرة يا إخوة، والله عز وجل يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] من: التبعيضية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين عن أبي هريرة: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً فيرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في جهنم).

فالكلمة خطيرة، فمن حق أخيك عليك أن تتورع عنه في القول، وأن تحسن الظن به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

من حقي عليك ومن حقك عليَّ أن أحسن في حقك القول، وألا آكل لحمك وأنهش عرضك بعد أن تفارقني، ربما يجلس الأخ مع أخيه في مجلسٍ واحد، وبمجرد أن يعطي الأخ لأخيه ظهره يطعنه بكلمات، والكلمة شديدة، ربما تكون الكلمة أخطر من السيف.

فبالكلمة قد تهدم البيوت، وتتحطم الأسر، بل وتثار المشاكل بين الدول والأمم بكلمة، سواء كانت الكلمة مقروءة، أو مكتوبة، أو مسموعة، أو مرئية، أو مرسومة.

إن ترك الألسنة تلقي التهم جزافاً دون بينةٍ أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقتٍ شاء، ثم يمضي آمناً مطمئناً، فتصبح الجماعة وتمسي وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة، وإذا كل فردٍ فيها متهم أو مهدد بالاتهام، وهذه حالةٌ من القلق والشك والريبة لا تطاق بحالٍ من الأحوال، ولذلك روى النسائي بسندٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان -أي تذل له وتخضع- وتقول له: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) وفي رواية الطبراني في الأوسط بسندٍ صححه الألباني بمجموع طرقه في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربا الربا استطالة الرجل في عرض أخيه).

انظروا إلى خطر الكلمة، فالكلمة خطيرة أيها الأحبة، فمن حق الأخ على أخيه أن يتورع عنه في القول، فبكل أسف قد يتورع المسلم عن أكل الحلال فيسأل هذا الشيء مستورد أم محلي؟ ورعٌ جميلٌ محمود، لا أقلل من شأنه أبداً، لكن الذي أقلل من شأنه أن ترى هذا التورع في هذا الجانب، الذي ربما يكون فيه الطعام حلالاً، ولا ترى عشر معشار هذا التورع عن أكل لحم الإخوة من المسلمين والمسلمات، فمن حق الأخ على أخيه التورع في القول.

وتزداد الكارثة والمأساة حينما يؤكل لحم العلماء أئمة الهدى مصابيح الدجى، والشموع التي تحترق لتضيء للأمة طريق نبيها، فقد ترى شبلاً صغيراً من أشبالنا لم يتربَّ إلا على التصنيف، لم يتربَّ على القرآن ابتداءً ولا على السنة، فخرج متأسداً متنمراً لبعض المسائل العلمية التي حفظها، فيتأسد على العلماء، وينتهك لحم وأعراض العلماء، فتسمع من يسيء إلى أئمة المسلمين في هذا الزمان، ولله در الحافظ ابن عساكر إذ يقول: "اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني الله وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، اعلم بأن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب".