للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من خطر اللسان]

أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل بوصيته الخالدة التي رواها الإمام الترمذي بسند حسن صحيح وفيها: أنه قال لـ معاذ: (ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله! فأخذ رسولُ الله بلسانه، ثم قال: كُفَّ عليك هذا.

فقال معاذ: أوَإنا مؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟!).

فبكلمة تُشْعَل نار الفتن والحروب! وبكلمة خُرِّبت البيوت، وتألمت القلوب، وبكت العيون! بكلمة سُطِّرت في تقريرٍ أسود مِن رجل لا يتقي الله ولا يعبد إلا كرسياً زائلاً ولا يعبد إلا منصباً فانياً خُرِّبت البيوت، وجُرِّحت القلوب، وبكت العيون، وتألمت النفوس! وبكلمة فُرِّق بين زوجين، وبكلمة فُرِّق بين الأخ وأخيه، وبين الوالد وولده، وبين الولد ووالده! كل ذلك بسبب كلمة أيها الأحباب.

إن الكلمة أمرها خطير في دين الله، إن أمانة الكلمة -يا من حَمَّلك الله أمانة الكلمة- أمر عظيم.

يا أيها المسئول! ويا من حَمَّلك الله أمانة الإعلام! ويا من منَّ الله عليك بقلم تكتب به! اتق الله! ويا من حَمَّلك والله أمانة التربية! اتق الله! واعلم أنك مسئول بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة، وأنك مسئول عن كل كلمة سطرها قلمك، وستُسأل هل أردت رضوان الله ورضوان رسول الله أم أردت الدنيا وزينتها ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ فاتق الله واعلم أن كل كلمة تتلفظ بها قد سُطِّرت عليك في كتاب عند ربي {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:٥٢].

يقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٦ - ١٨].

وقال جل وعلا: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً} [الإسراء:١٣ - ١٤].

وقال جل وعلا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً} [الإسراء:٣٦].

فستُسأل بين يدي الله عن كل كلمة.

وإنَّ أخطر ما ينبغي أن أحذر منه أن هؤلاء المرجفين والمنافقين الذين أعلنوا الحرب الضروس على الإسلام والمسلمين، وهم يملكون أحدث أبواق الدعاية؛ إن أخطر ما أحذر منه أن بعض الطيبين قد رددوا هذه الكلمات الخطيرة التي لو مزجت -والله- بماء البحار لمزجتها! فلا ينبغي لهم أن يرددوا هذه الكلمات التي نطق بها أهل الإرجاف.