للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة تائب]

أقص عليكم قصة تائب؛ لأن كثيراً من الناس الآن يحول الشيطان بينه وبين التوبة بحجة أنه قد أسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب، ويقول لنفسه: كيف تعود إلى الله وقد أسرفت على نفسك بالمعاصي؟! كيف ترجع؟! كيف تتوب؟! وهل يقبل الله منك التوبة؟! نعم يا أخي! الله يقبل منك التوبة إن صحت توبتك، وحققت لها الشروط، فأقلعت عن الذنب، وندمت على ما فعلت، واستغفرت الله، وأكثرت من العمل الصالح، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فعد إليه وأنت على يقين بأن الله سيغفر لك ما دمت قد حققت شروط التوبة النصوح.

إنها قصة شاب من السعودية ما ترك كبيرة من الكبائر إلا وارتكبها، ما من ليلة تمر عليه إلا وهو يترنح بين كئوس الخمر، وأحضان الزواني، ولما رآه أهله هكذا قالوا: نزوجه لعل الله عز وجل أن يمن عليه بالهداية والتوبة، وأن يستقيم على طريق الطاعة، فزوجوه، واختاروا له فتاة جميلة على دين، ولكنه لازال منغمساً في شهواته ونزواته والعياذ بالله، ما من ليلة إلا ويترك زوجته ليذهب ويبحث عن أخرى والعياذ بالله! وظل على هذا الحال إلى أن رزقه الله عز وجل من هذه الزوجة بفتاة صغيرة جميلة، وكبرت هذه الفتاة حتى بلغت الرابعة من عمرها، وكانت تسأل عن أبيها: أين أبي في الليل؟! أين هو؟! وأمها تعلم، ولكنها تخفي عنها الجواب، وفي ليلة من الليالي عاد هذا الشاب بشريط جنسي داعر، ودخل فاطمأن، نظر إلى زوجته فرآها نائمة، ونظر إلى ابنته فرآها نائمة، فدخل إلى غرفته المجاورة بعدما اطمأن إلى أن البيت كله قد هجع ونام، وأدخل هذا الشريط القذر، الذي ابتليت به كثير من بيوت المسلمين في هذه الأيام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأدخل الشريط في هذا الجهاز الخطير، في جهاز الفيديو، وجلس أمام هذا الشريط بعدما فعل وشرب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

واستيقظت الفتاة الصغيرة من نومها، فرأت نوراً في الغرفة إلى جوار غرفة أمها، فتسللت من الفراش كتسلل القطا، ودخلت على أبيها الذي فوجئ بها أمامه، وإذ بهذه الفتاة يلقي الله على لسانها كلمة عجيبة، نظرت إلى أبيها الذي أذهلته المفاجأة، ونظرت إلى التلفاز فرأت مشهداً مروعاً، بكت ثم قالت لأبيها: يا أبتي! أتريد أن تدخلنا جميعاً النار معك؟! وكأن هذه الكلمة كانت بمثابة النور الذي بدد هذا الظلام في هذا القلب المظلم، وقعت الكلمة على وتر حساس، {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤].

إن الهداية بيد الله، وإن الفضل بيد الله؛ لذا أذكر أحبابي الشباب من أهل الطاعة والسنة والالتزام، إياك أن تحتقر عاصياً، وإياك أن تسب أحداً؛ لأنك لا تعلم بأي شيء سيختم لك، وبأي شيء سيختم له، فإن الأمر لله، {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:٧٣]، أسأل الله أن يختم لي ولكم بخاتمة التوحيد.

وقعت هذه الكلمة على قلب الرجل كالماء البارد، أو كحبات الندى على زهرة ظمأى، تفتح القلب، فقام واحتضنها وقبلها بين عينيها، وقال لها: والله لقد آن! والله لقد آن! وسمع المؤذن يؤذن لصلاة الفجر فخرج إلى المسجد المجاور، وشاء الله عز وجل أن يتلو الإمام في صلاة الفجر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣]، وبكى هذا التائب بكاءً طويلاً، وبكّر بعد الشروق إلى عمله، فعجب إخوانه في العمل لماذا جاء اليوم مبكراً؟! فأخبرهم بقصته، فقال له رئيسه: فلتعد اليوم إلى بيتك، فإني أرى الإرهاق ظاهراً عليك، فعاد الرجل إلى بيته -أيها الأحبة- فسمع بكاءً وعوياً وصراخاً، فلما دخل قال: ما الخبر؟! قالوا: لقد ماتت ابنتك! الله أكبر! لقد ماتت ابنتك، فبكى الرجل بكاءً طويلاً، وأصر على أن يحتضنها في صدره، وأن ينطلق بها ليضعها في قبرها في مثواها الأخير، قالوا: لا تفعل.

قال: أريد أن أودع النور الذي أخرجني من الظلمات إلى النور! وكانت هي التوبة، عاد إلى الله، ووالله إنه الآن ممن يتحرك لدعوة الله ولدين الله عز وجل.

أيها الأحبة الكرام! توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون! واعلموا بأن الله تواب رحيم، واعلموا أن الله غفور كريم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.

اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اجعل مصر واحة من الأمن والأمان، اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان، اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين، الله اجعل مصر سخاءً رخاءً وسائر بلاد الإسلام، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين! أيها الأحبة! هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.