للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام سجود التلاوة]

وهذا السجود ما يسمى عندنا بـ (سجود التلاوة)، وأوجز القول فيه فأقول: إن سجود التلاوة سنة عند أهل العلم، وسجود التلاوة يوجد في خمسة عشر موضعاً في القرآن الكريم، ويرى جماهير أهل العلم أنه سنة، بمعنى: أن من مرت عليه آية من آيات السجود في القرآن الكريم فمن السنة أن يسجد.

واختلف العلماء: هل يشترط لسجود التلاوة أن يكون الساجد متوضئاً؟ فالجمهور على أنه من الأفضل أن يكون الساجد متوضئاً، وقد ورد في صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر كان يسجد على غير وضوء.

إذاً: فمن سجد وهو متوضئ فهذا هو الأولى والأفضل، ومن مرت عليه آية سجدة وسجد وهو على غير وضوء فقد سبقه في ذلك من هو أفضل منه، ولا إثم عليه.

فإذا ما مرت عليك آية فيها سجدة فالأفضل أن تكبر وتسجد.

ولا تسليم في سجود التلاوة، ولا تشهد له، وإنما تكبر تكبيرة وتسجد، ثم تدعو الله عز وجل في سجودك.

وقد ورد في فضل هذا السجود ما رواه مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد ابن آدم -إذا مرت عليه آية السجدة فسجد- ولى الشيطان وهو يقول: يا ويلاه أمر ابن آدم بالسجود فأطاع فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار).

وأما الدعاء في سجود التلاوة فأصح حديث فيه هو حديث عائشة الذي رواه الحاكم وصححه الترمذي وابن السني أنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود التلاوة: (سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)، زاد الحاكم: (فتبارك الله أحسن الخالقين)، هذا هو الدعاء الذي يقال في سجود التلاوة، فتسبح الله الأعلى كما تسبحه في صلاتك (سبحان ربي الأعلى) كما قال صحاب (المغني) وغيره، ثم تقول: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين، وهذه الزيادة جاءت عند الحاكم فقط.

وللترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده -أي: في سجود التلاوة-: (اللهم حط بها عني وزراً، واكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام).

هذا مجمل ما يقال في سجود التلاوة.

يقول الحق تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:٥٨].

وورد في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قرأ يوماً في خطبة الجمعة على المنبر سورة النحل، فلما وصل إلى السجدة نزل من على المنبر فسجد وسجد الناس معه، وفي الجمعة الأخرى وقف على المنبر وقرأ نفس الآيات ولم ينزل ولم يسجد، ثم قال: (أيها الناس! إنا لم نؤمر بالسجود، فمن فعله فحسن، ومن لم يفعله فلا إثم عليه) في رواية أخرى قال: إلا من شاء.

إذاً: هو سنة، ويستحب للمسلم أن يسجده، فإن كان متوضئاً فهو الأولى، وإن كان على غير وضوء وسجد سجود التلاوة فلا إثم عليه، والله تعالى أعلم.

وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

اللهم يا معلم داود علمنا، اللهم يا معلم داود علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا.

اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا يسرتها يا رب العالمين! والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.