للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ففروا إلى الله]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! فروا إلى الله.

ها هو شهر رمضان قد أهل علينا بأنفاسه الخاشعة الزكية، وأحببت أن أذكر بهذه الفرصة نفسي وأحبابي وإخواني وأخواتي بالفرار إلى الله قبل رمضان.

فالفرار نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء: أما فرار السعداء فهو الفرار إلى الله، وأما فرار الأشقياء فهو الفرار من الله، ومع ذلك فلا ملجأ ولا ملاذ من الله إلا إليه.

أين يذهبون؟! أين يفرون من الله عز وجل؟! أخي! بادر بالفرار إلى الله بادر بالتوبة إلى الله عز وجل، واعلم: (بأن الله يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، والحديث رواه مسلم من حديث أبي موسى.

سينتهي زمن التوبة يوم أن تطلع الشمس من مغربها، فإن عاد الكافر إلى الله في ذلك اليوم فلا يقبل الله منه الإيمان، وإن عاد العاصي فلا يقبل الله منه التوبة.

تدبر معي هذا الحديث لتعلم أهمية التوبة ووجوبها، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الشمس تغرب يوماً فقال لأصحابه: أتدرون أين تذهب هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال المصطفى: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي وارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها -أي: من المشرق- ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة لله جل وعلا، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، وارجعي من حيث جئتِ).

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً)، أي: تشرق من المشرق كل صباح وتغرب في المغرب، ولا يستنكر الناس منها شيئاً.

قال المصطفى: (حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، قال: أتدرون متى ذلك؟! قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً) فإذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة.

فيا عبد الله! الباب مفتوح لك الآن على مصراعيه فبادر بالتوبة، قبل أن يأتي يوم يغلق فيه باب التوبة، فلا يقبل الله الإيمان من كافر ولا يقبل الله التوبة من مذنب عاصٍ.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة) فإذا طلعت الشمس من المغرب أغلق الله باب التوبة، فهيا عد إلى الله عز وجل أيها اللاهي!! أيها العاصي!! بل أيها المؤمن: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].

أيها الحبيب! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].

أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم ارزقنا جميعاً قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً ورضواناً.

اللهم إنا قد أقبلنا إليك وطرحنا قلوبنا بذل وانكسار بين يديك، فاللهم لا تردنا اليوم خائبين يا أرحم الراحمين! اللهم ردنا اليوم جميعاً بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة لن تبور.

اللهم إنا نقر لك الآن بين يدي رمضان بذنوبنا وأخطائنا، فاللهم ارحم ضعفنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم استر عيوبنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم فك أسرنا، اللهم تول أمرنا، اللهم تول أمرنا وفك أسرنا، اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها يا مولانا! أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا! اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته ولا عاصياً بيننا إلا هديته.

اللهم لا تدع عاصياً بيننا إلا هديته، اللهم لا تدع عاصياً بيننا إلا هديته، اللهم لا تدع سائلاً بيننا طامعاً إلا زدته وثبته، اللهم لا تدع سائلاً بيننا طامعاً إلا زدته وثبته! اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، إلهنا لا إله لنا سواك فندعوه، ولا رب لنا غيرك فنرجوه، لا إله لنا سواك فندعوه ولا رب لنا غيرك فنرجوه، لا إله لنا سواك فندعوه ولا رب لنا غيرك فنرجوه، يا منقذ الغرقى! يا منقذ الغرقى! ويا منجي الهلكى! ويا سامع كل نجوى، ويا عظيم الإحسان! يا دائم المعروف، يا دائم المعروف أنقذنا من الهلاك والحسرة! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.