للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحاديث تحذر من جريمة الزنا]

أيها الأحبة الكرام! تدبروا معي هذه الأحاديث التي بين المصطفى فيها جريمة الزنا وخطر الزنا وبشاعة الزنا، فقال صلى الله عليه وسلم -والحديث في الصحيحين- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) قال عكرمة: قلت لـ ابن عباس: كيف ينزع منه الإيمان؟ فقال ابن عباس: هكذا -وشبك ابن عباس بين أصابعه-.

ثم قال: فإن زنى أو شرب الخمر نزع منه الإيمان هكذا، فإن تاب وعاد إلى الله عاد إليه الإيمان هكذا مرة أخرى.

وروى ذلك أبو داود والحاكم مرفوعاً، قاله الحافظ ابن حجر في الفتح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إذا زنى الرجل أو شرب الخمر نزع الإيمان منه كما ينزع الإنسان القميص من رأسه، فإن تاب إلى الله وعاد إلى الله عاد إليه الإيمان وقبل الله منه التوبة)، وهذا هو المحك الحقيقي بين أهل السنة وفرق الضلال الأخرى التي كفرت مرتكب الكبيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي صحيح مسلم وسنن النسائي من حديث أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولا يكلمهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم قالوا: من هم يا رسول الله؟! قال: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر) أي: فقير متعال مستكبر، وشيخ قلت عنده الشهوة، وضعفت عنده الرغبة لهذا الأمر، وعلى الرغم من ذلك ذهب ليتمرغ في أوحال هذه الفاحشة، والملك الكذاب ليس في حاجة إلى أن يكذب، فهو يستطيع أن يأمر هذا أن يفعل كذا، ويستطيع أن يأمر ذاك أن يفعل كذا، فما الذي يعوزه إلى الكذب؟ وعائل فقير، وبالرغم من ذلك يتعالى على الناس ويتكبر على خلق الله جل وعلا، قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر)، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث): -يعني: لا يجوز أن يقتل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا إذا كان واحداً من ثلاثة: (الثيب الزاني)، والثيب هو المحصن، والمحصن هو الذي وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل (والنفس بالنفس)، فالقاتل عمداً يقتل من قبل ولي الأمر المسلم، (والتارك لدينه المفارق للجماعة) المرتد، ووالله لو أن شرع الله يقام اليوم في أرض الله لقتل الكثير من هذه الأصناف، فلقد كثرت هذه الأصناف الثلاثة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي الصحيحين أيضاً في الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن جبريل وميكائيل عليهما السلام جاءاه في يوم من الأيام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الرؤيا: (فانطلقنا فأتينا على مثل التنور -والتنور: هو الفرن توقد تحته النار- وفيه رجال ونساء عراة، أعلاه ضيق وأسفله واسع تلتهب فيه النار، إذا ارتفعت النار ارتفعوا معها، وإذا أخمدت النار رجعوا معها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا المشهد البشع قال: يا جبريل! من هؤلاء؟ فقال جبريل: هؤلاء هم الزناة والزواني، وهذا عذابهم إلى يوم القيامة).

ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين.

رجل دعته امرأة -أي: للزنا وليفعل بها الفاحشة- فتذكر الله جل وعلا، وتذكر الجنة والنار، وتذكر زوجته، وتذكر ابنته، فقال: إني أخاف الله رب العالمين.

هذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

أيها الأحبة الكرام! ترك الزنا سبب من أسباب تفريج الكرب والهم والغم، كما في الصحيحين في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فقد خرج ثلاثة نفر، فدخلوا غاراً، فسقطت صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، فقالوا: لا ملجأ لنا إلا أن نلجأ إلى الله بصالح أعمالنا.

فقال أحدهم: اللهم إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إليَّ، فراودتها عن نفسها فأبت -أي: طلبت منها الفاحشة فأبت-، حتى ألمت بها سنة من السنين -أي: وقعت في شدة وضيق- فجاءتني تطلب مني المال فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، فلما جلست منها كما يجلس الرجل من زوجته قالت لي: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه.

فتذكر هذا الرجل وتدبر، وارتعد قلبه، وأرخى عليها ثيابها.

قال: وقامت وهي أحب الناس إلى قلبي، ثم توجه إلى الله جل وعلا وقال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه.

فانفرجت الصخرة بأمر الله جل وعلا؟ إن ترك الزنا من أعظم أسباب تفريج الكربات في الدنيا، بل وفي الآخرة، وقد شدد القرآن غاية التشديد في جريمة الزنا، فقال الله جل وعلا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٢]، ويزيد القرآن في تبشيع وتفظيع هذه الجريمة، فيقول الله جل وعلا: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣].