للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية العلم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم]

أقول: إن انحرف الشباب عن الدين غرق في بحور الشهوات، وإن انحرف عن الفهم الصحيح للدين سقط في شباك الشبهات، وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز، الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أيها الشباب! من سلك طريقاً بغير دليل ضل، ومن تمسك بغير الأصول زل، والدليل المنير لنا في كل هذه الظلماء، والأصل العاصم لنا بإذن الله من كل هذه الفتن والأهواء هو العلم بفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ترجم الإمام البخاري في كتاب العلم باباً بعنوان: (باب العلم قبل القول والعمل).

يجب عليك ألا تتكلم في دين الله تبارك وتعالى إلا بعد أن تتعلم، فضلاً عن أنه يجب عليك ألا تتحرك خطوة واحدة على الطريق لدين الله جل وعلا إلا بعد أن تتعلم.

أخاطبك -ورب الكعبة- بكياني كله: حماسك وحده لا يكفي، وإخلاصك للدين وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون حماسنا وإخلاصنا منضبطين بضوابط القرآن والسنة بفهم سلف الأمة؛ حتى لا نضر ونحن نريد النفع، وحتى لا نفسد ونحن نريد الإصلاح، فالأمر دين ندين به ربنا تبارك وتعالى.

فالفهم عن الله ورسوله، لا تتكلم إلا بعد أن تتعلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بأمرين، فبدأ بالعلم وثنى بالعمل.

قال: وقدم الله العلم على العمل لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قول وعمل.

ثم يترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب العلم باباً آخر من أفقه أبواب هذا الكتاب، بل ورحم الله من قال: (فقه البخاري في تراجمه)، فترجمة الإمام تحمل فقهاً غزيراً قبل أن تقرأ ما دونه.

يترجم باباً آخر في كتاب العلم بعنوان: (باب الفهم في العلم)، فلا تعجل حتى تفهم الدليل، فالدليل ليس منتهى العلم! الدليل ليس منتهى العلم! تقول: الدليل في البخاري ومسلم -على رأيك-.

وهذا كلام في عيني وفي قلبي، لكن لا تعجل حتى تفهم الأدلة ومراتب الأدلة ومناطات الأدلة؛ حتى تكون على بصيرة بالمجمل والمبين، بالعام والخاص، بالناسخ والمنسوخ، حتى تكون على بصيرة بالمصالح والمفاسد، حتى تكون على بصيرة بواقعك الذي أنت تعيش فيه، ثم بالأدلة الشرعية التي ستنسحب على واقع هذه المسألة التي تود أن تبحثها أو تدرسها.

(باب الفهم في العلم)، ويروي الإمام في هذا الباب حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، قال الحافظ ابن حجر: أي يفهمه.