للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحل على مستوى الأفراد]

أما على مستوى الأفراد فأنا أنكر غاية الإنكار على أي شاب مسلم يخرج في مظاهرة ليحطم سيارة أو محلاً! لماذا نحطم بلادنا وأرضنا؟! لماذا تحطم سيارة أخيك وهو يسير في أمن وأمان؟! لماذا نعتدي على محلات إخوتنا من المطحونين أصلاً؟! لماذا؟ نريد فطنة يا إخوة! نريد تعقلاً نريد فهماً نريد وعياً نريد حضارة إسلامية في التفكير والسلوك.

ما قيمة هذه المظاهرات التي تخرب وتدمر؟ أنا لا أمنعك من التظاهر، بل يجب عليك أن تعبر عن غضبك، وأن تعبر عن احتراقك بأسلوب حضاري، وأنا لا أستعير هذه اللفظة من هؤلاء المجرمين لا، بل إن الإسلام هو أول من أسس الحضارة، وما سرقت أوروبا الحضارة إلا من الأندلس، وما سرقت فرنسا الإضاءة الكهربائية إلا من المسلمين.

يوم رصفت شوارع الأندلس كانت فرنسا تعيش في الوحل والطين، ويوم أضيئت شوارع الأندلس كانت فرنسا رائدة الحضارة في هذا الزمان، وإنجلترا التي كانت لا تغيب عن مملكتها الشمس تعيشان في الظلام الدامس.

فالإسلام هو الذي أسس الحضارة، فنحن نريد أن نعبر عن غضبنا وعن ألمنا بأسلوب حضاري، ونبتعد كل البعد عما يغضب الله جل وعلا، وعما يفسد علينا أرضنا وبلادنا.

أنا لا أجامل بذلك مخلوقاً، إنما هذا ما أدين به لربي تبارك وتعالى.

ثم فرق كبير بين أن تعبر عن غضبك في مثل هذه المسيرات السلمية بالضوابط الشرعية: من عدم اختلاط، وعدم تعطيل وإفساد.

فرق كبير بين أن تعبر من خلال هذا وبين أن تعتقد أن النصرة للدين في مثل هذه المسيرات.

فرق كبير بين هذا وذاك، بل أخشى الآن -ورب الكعبة- أن تفرغ طاقات الأمة في مثل هذه المظاهرات الحماسية، أخشى أن تفرغ الطاقات في مثل هذه المظاهرات، فقد يخرج الرجل ويحطم بالحجارة ويرجع وهو معتقد أنه فتح القدس، وأدى كل ما عليه لله جل وعلا! أكرر القول حتى لا يردد القول أحد طلابنا بخطأ: فرق بين أن تعبر عن غضبك وأملك بقلبك في هذه المسيرات السلمية وبين أن تعتقد أن هذا هو السبيل للنصر، فالطريق النصر تصحيح العقيدة تصحيح العبادة تحكيم الشريعة تصحيح ما فسد واعوج من الأخلاق تهيئة جيل النصر بالتربية على القرآن والسنة وكل هذا التأصيل يأتي بعده حتماً: رفع راية الجهاد في سبيل الله.

هذا ما أدين الله به وسيسألني شاب من طلابنا: هل ستنتظر الأمة -أيها الشيخ- لتربى على العقيدة والعبادة؟!

و

الجواب

فرق بين جهاد الطلب وجهاد الدفع.

أما جهاد الطلب: فهو فرض كفاية، إن قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن بقية المسلمين، هذا هو الذي يحتاج إلى التربية المتواصلة من إعداد عقدي من إعداد تعبدي من تحكيم لشرع الرب العلي من تهيئة لجيل النصر.

أما جهاد الدفع، ومعناه: أن يداهم العدو أرضاً من أراضي المسلمين، فعند ذاك صار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة في هذه الديار التي داهمها العدو، كل بحسب قدرته واستطاعته، ويحرم على المسلم القادر على الجهاد أن يجلس في بيت من بيوت الله ليطلب العلم الشرعي.

أيها الأحبة! في جهاد الدفع يجب عليك أن تدفع العدو الصائل، ويحرم عليك أن تتقاعس عن الجهاد لأي سبب إن كنت قادراً على أن تشارك في حدود قدراتك واستطاعتك وإمكانيتك.

فأرجو من شبابنا أن يؤصلوا هذه المسائل الشائكة الدقيقة؛ لأن الحماس وحده لا يكفي، ولأن الإخلاص وحده لا يكفي، بل لابد أن يكون الحماس والإخلاص منضبطين بضوابط الشرع، حتى نرضي ربنا جل جلاله، وحتى نكون بحق من أنصار نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا واقع مرير نحياه- وهذا تأصيل يبتعد كل البعد عن التنظير الباهت الفارغ البارد، لكنني أتحدث عن واقع نعرفه جمعياً.

إن لم تستطع أن تجاهد مع إخوانك بنفسك فبمالك، فلو تبرعنا الآن بمائه جنيه ونحن نعلم يقيناً أنه لن يصل من المائة جنيه إلا عشرة جنيهات فلنبذل المائة الجنيه لتصل العشرة جنيهات، فإخواننا هنالك في حاجة إلى جنيه لا إلى عشرة جنيهات، وأنا أتحدث من خلال الواقع الذي نعرفه.

أخي في الله! جاهد بمالك فإن لم تستطع فبدعائك، لا تحتقر الدعاء ولا تستهن به، فأنا أقسم بالله أن القطار الأمريكي ما خرجت عجلاته عن القضبان بالأمس، وقتل فيه من قتل، وجرح فيه من جرح إلا استجابة من الملك لدعوة مطحون مظلوم لا يقدر على شيء.

وأن هذه الطيارة السياحية التي ضربت هذا البرج العالي في إيطاليا، والله ما أراها إلا استجابة من الله العلي الأعلى لدعوة صادقة من مسلم يحترق قلبه وهو لا يقدر أن يقدم شيئاً إلا الدعاء مسلم اطلع الله عليه في جوف الليل يتململ كتململ العصفور المبلل بماء المطر بين يديه أن يرفع الغمة عن الأمة.

فلا تحتقر الدعاء -أخي- ولا تستهن به، فإننا الآن قد خذلنا إخواننا حتى في الدعاء، وأسألكم بالله من منكم دعا يوم الخميس الماضي في كل سجدات صلواته لإخوانه في فلسطين؟! أقسم بالله لو قدمنا الآن استمارة استبيان في الجمع الحاشد من الصفوة لرأينا قلة هي التي دعت لإخوانها في فلسطين في كل سجدة من سجدات الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.

والله لن نرى إلا قلة، فاسمحوا لي أن أقول: أمة بخلت بالدعاء فهل تجود بالأموال والدماء؟! إن هذا التأصيل يأتي بعيداً عن التنظير البارد أمة بخلت بالدعاء فهل تجود بالمال والدماء؟! أيها الأحباب! ثم يأتي الجهاد بالكلمة بالمحاضرات بالدروس في الشوارع في الطرقات في الوظائف في المكاتب في المجلات تستطيع أن تتصل على مسئول من المسئولين فافعل، إن كنت تقدر على أن تعبر بمقال في جريدة فافعل، إن كنت تملك أن تعبر برسم (كاريكاتوري) معبر فافعل، إن كنت لا تستطيع أن تتحدث عن هذه القضية إلا أمام امرأتك وأولادك فافعل، إن كنت تقدر أن تتحدث في هذه القضية مع زملاء العمل فافعل، المهم أن تشغل القضية مجالسنا وقلوبنا وعقولنا، وأن نجاهد بالكلمة، فالكلمة من أعظم صور الجهاد في سبيل الله، ولن يسألنا الله تبارك وتعالى عن شيء عجزنا عن فعله، والله يعلم الصادق من الكاذب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يسقط الواجب بالعذر عنه.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحيي قلوبنا، وأن يقر أعيننا بنصرة إخواننا.

أسأل الله أن يقينا حر جهنم، وأسأل الله أن يجعلنا من أهل الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.