للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مقومات النصر]

الكفر ملة واحدة، فمتى سترجع الأمة إلى ربها سبحانه وتعالى لتحقق منهج الله في الأرض، ولتكون أهلاً لنصرة الله؟! فالأمة تملك مقومات النصر، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء، وأعظم مقوم تملكه أمة التوحيد هو: عقيدة (لا إله إلا الله)، لقد صرخ أبطالنا المصريون في حرب العاشر من رمضان بلفظة التوحيد: الله أكبر، لا إله إلا الله، فرأينا أسطورة العدو الذي لا يقهر تتهاوى إلى ركام في ركام في ساعات قليلة.

فمتى عرفت الأمة ربها، ورددت كلمة لا إله إلا الله، وكبر في قلبها وعظم في صدرها جلال الله، وقالت: الله أكبر؛ نصرها ربها تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:١٢٦].

فالعقيدة هي التي حولت سحرة فرعون إلى موحدين في التو واللحظة، واسترخصوا واستعذبوا كل بلاء، إنها العقيدة التي تملأ القلوب بالثقة في رب الأرض والسماء، والعقيدة تجعل كل فرد في الأمة ينظر إلى أمم الكفر على أنها هباء، وأنا لا أقول ما لا أعرف، بل أنا أعلم يقيناً حجم قوة أعدائنا، وأعلم يقيناً أن أمريكا من وراء اليهود، فإسرائيل غدة سرطانية في قلب العالم الإسلامي غرسها أعداء الإسلام، وغرستها أمم الكفر في قلب الوطن العربي.

وإن شئت فقل: إسرائيل حاملة طائرات ودبابات وصواريخ، يسكن على ظهرها ما يزيد عن خمسة مليون هم لأمريكا بمثابة اليد الطولى، فهي قريبة من روسيا من ناحية، ومن أوربا من ناحية، وفي قلب العالم الإسلامي من ناحية ثالثة، وقريبة من آبار النفط والموارد المعدنية من ناحية رابعة.

ومن ناحية خامسة فهي تشكل عمقاً استراتيجياً يمتد عبر ثلاث قارات، فهذه الدولة لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عنها أبداً؛ لأنها تمثل اليد الطولى لأمريكا في المنطقة وفي قلب العالم الإسلامي والعربي، ومن ثمَّ فستظل أمريكا وراء اليهود حتى تفيق الأمة وترجع من جديد إلى العزيز الحميد؛ لتأخذ بما تملك من أسباب ومقومات النصر، وهي كثيرة.

أقسم بالله إن الأمة الآن قادرة على أن تجعل أمريكا في الغد تركع، يا إخوة! أنا أعي ما أقول تماماً، أقول: يكون ذلك بالعقيدة وبكلمة سواء يتخذها قادة العرب برجولة وصدق وقوة؛ فلم يعد هناك مجال للخلافات والنزاعات والتشرذم والتهاون، ولم يعد هناك وقت للضياع، فلو اتخذوها وأعلنوها لله تبارك وتعالى لتغيرت الموازين.

ولو اتخذت الأمة الآن قراراً بإسقاط التعامل بالدولار الأمريكي -لا أقول: في الاقتصاد ككل بل في مبيعات البترول فقط- والله! لانهارت أمريكا في التو واللحظة، فبمجرد هذه الأزمة ارتفعت أسعار البترول في البورصة العالمية، فهددت هذه الأسعار أمريكا اقتصادياً؛ حتى اضطرت أمريكا أن تعلن أنها ستسحب من احتياطياتها من البترول، والآن ارتفعت أسعار البترول مرة أخرى لهذا الوضع الحرج.

تستطيع الأمة بقرار -كما استطاعت في حرب العاشر من رمضان بقرار البترول- أن تغير الدفة، وأن تغير الموازين، فالأمة تستطيع أن تفعل شيئاً كبيراً جداً؛ لأنها تملك العدد، وتملك العتاد، وتملك العمق الاستراتيجي، وتملك العقول الموهوبة التي لا تقل أبداً عن عقول الغرب، بل إن عقول أبناء الأمة في الغرب تبدع، وليست فقيرة، وليست جاهلة، وليست ضعيفة، لكنها مهزومة نفسياً، والمهزوم النفسي مشلول الفكر والحركة.

فلتصحح الأمة عقيدتها بالله جل وعلا، فتلك العقيدة هي التي ستخرج الأمة من هذا المستنقع، ومن الهزيمة النفسية القاتلة.

تلك العقيدة هي التي جعلت أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحولون من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم.

تلك العقيدة هي التي انطلقوا بها فدمدموا العالم القديم بصولجانه وجبروته، واستطاعوا بهذه العقيدة الصحيحة الصافية أن يقيموا للإسلام دولة من فتات متناثر في وسط صحراء تموج بالكفر موجاً فإذا هي بناء شامخ عظيم لا يطاوله بناء.

تلك العقيدة هي التي جعلت طلحة بن عبيد الله يرمي بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يحمي رسول الله بصدره وهو يقول: (نحري دون نحرك يا رسول الله!).

تلك العقيدة جعلت عمير بن الحمام يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض فيقول عمير: بخ بخ! جنة عرضها السماوات والأرض، فيقول له المصطفى: يا عمير! ما حملك على قول: بخ بخ؟ فيقول عمير: لا يا رسول الله! إلا أني رجوت أن أكون من أهلها، فقال المصطفى: أنت من أهلها) فأخرج تمرات يأكلهن ليتقوى بهن على القتال، وبينما هو يأكل تذكر الجنة وتذكر الموت في سبيل الله فقال لنفسه: ما بيني وبين الجنة إلا أن آكل هذه التمرات، وأنطلق في الصفوف لأقاتل فأقتل، والله! لأن حييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة، فألقى التمرات على الأرض، واندفع في صفوف القتال صادقاً مع الله ليصدقه الله عز وجل.

العقيدة هي التي جعلت الصحابة رضوان الله عليهم يبذلون الغالي والنفيس في نصرة دين الله.

العقيدة هي التي ستحرك القلوب والجوارح للجهاد في سبيل الله، فأنا أدين لله تبارك وتعالى أن طريق النصر آتٍ بتصحيح العقيدة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، والله الذي لا إله غيره! لو أعلن الجهاد الآن وقيل: حي على الجهاد! من قبل أي حاكم من حكام العرب والمسلمين، والله! لخرج ملايين الشباب، بل والشيوخ، بل والنساء، بل والله! لخرج صبياننا وأطفالنا، والله! لخرجوا بغير سلاح ليصد أحدهم بصدره فوهات مدافع اليهود، ليرزقه الله الشهادة في سبيله، وليعلم أنجس أهل الأرض أن محمداً ما مات، وما خلف بنات، بل خلف أطهاراً أبراراً تحترق قلوبهم شوقاً للشهادة في سبيل الله.

والله الذي لا إله غيره! لم يعد لهذه القضية إلا الجهاد، فليفطن إليها الحكام والزعماء، وليعلم اليهود أن الشباب المسلم التقي النقي، وهذه الأمة التي قد مرضت واعترتها فترات من الركود الطويل أنها ما ماتت، ولن تموت بموعود الله، وبموعود الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق المصطفى إذ يقول كما في مسند أحمد بسند صحيح من حديث ابن عمر: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً دخل الجنة، فقال أبو سعيد: أعدها عليَّ يا رسول الله! فأعادها عليه، ثم قال: ألا وإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله).

فأمريكا، وهيئة الأمم، وحلف الأطلنطي، ومجلس الأمن؛ كل هذه الهيئات والمنظمات لا تريد أبداً للقضية أن تصبغ بالصبغة الإسلامية، لا تريد أبداً للقضية أن تخرج عن إطار القومية والوطنية والعروبة، فهم يعلمون أن القضية لو صبغت بالصبغة الإسلامية، ورفعت راية الجهاد لتحولت الموازين.

فاليهود يحاربوننا عن عقيدة، وقد أعلنها بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيل، في هيئة الأمم بعدما اعترفت الدول العظماء بإسرائيل فقال بالحرف: قد لا يكون لنا الحق في فلسطين من منظور سياسي أو قانوني، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني، فهي أرض المعاد التي وعدنا الله إياها من النيل إلى الفرات، ثم قال: لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل على غير أرض المعاد! وترجم هذه العقيدة كل رؤساء وزرائهم، بدأ من بن غوريون إلى باراك، ولقد أصدر نتنياهو أربعة عشر قراراً استيطانياً في فترة حكمه، وكان من آخرها القرار الذي صدر بالاستيطان في منطقة جبل أبو غنيم ليؤكد بذلك التطوق السكاني اليهودي في القدس الشرقية، وقد صرح مراراً أنه لا مجال لأي مفاوضات لتقسيم القدس، فالقدس بشطريها عاصمة أبدية لإسرائيل! فهم على عقيدة، ولاحل إطلاقاً مهما جلسوا للمؤتمرات واتخذوا القرارات إلا إذا صححت الأمة عقيدتها، ورفعت راية الجهاد في سبيل الله؛ فلم يعد هناك وقت للتنظير ولا للكلام، وليرى الحكام من هذه الأمة ما تقر به عيونهم إن صححوا العقيدة ورفعوا راية الجهاد في سبيل الله.

هذا ما أدين به لربي في هذا الظرف الحرج، وأسأل الله جل وعلا أن يهزم اليهود، وأن يخلص إخواننا المستضعفين العزل من شرهم وكيدهم، وأن يحرك قلوب حكام العرب لما يحبه ويرضاه؛ إنه ولي ذلك ومولاه.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.