للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ساد الصحابة العالم باتباعهم للقرآن]

الحمدلله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام! إن الصحابة رضوان الله عليهم حولوا القرآن الكريم إلى واقع عملي ومنهج حياة؛ فسادوا الأمم، وحولوا العالم كله إلى كثيب مهيل، وأحالوه ركاماً في ركام، في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، لما قرأ الأعرابي قول الله، وقرأ العربي في قلب الجزيرة قول الله، وتحرك للقرآن قلبه، وانتفضت للقرآن جوارحه، وحول هذا الكلام في حياته إلى منهج حياة؛ صار قائداً.

والله ما عرفنا عمر، وما عرفنا خالد بن الوليد، وما عرفنا الصديق، وما عرفنا أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وما عرفنا الصحابة إلا بعد أن أحياهم ربنا تبارك وتعالى بفضل هذا القرآن، إلا بعد أن أخرجهم ربنا سبحانه وتعالى من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد والإيمان بهذا القرآن الذي كان يتلوه عليهم النبي عليه الصلاة والسلام.

ظلت الأمة ترفل في ثوب العز والكرامة وهي تطبق آيات وأحكام هذا الكتاب، فلما نحت القرآن هزمت عسكرياً واقتصادياً ونفسياً وسياسياً وثقافياً، وراحت تحاكي الغرب الذي انتصر، وكسب الجولة الأخيرة، فماذا كانت النتيجة؟! ما ترونه الآن من ذل وهوان، فلقد صارت الأمة قصعة مستباحة لأذل أمم الأرض، وأعلنها أعداؤنا مراراً وتكراراً: لابد أن يظل القرآن بعيداً عن ساحة المعركة، كما أعلنها الحقود قلادستون وغيره؛ لأن القرآن لو نزل ساحة المعركة لتحولت المعركة إلى جهاد في سبيل الله، وهذا هو الذي حرك الدنيا كلها وحرك العالم كله، يوم أن تحولت المعركة على أرض فلسطين إلى معركة يظلل سماءها كلام رب العالمين وكلام سيد المرسلين، حينما ترددت لفظة الجهاد، لفظة الشهادة، لفظة العمليات الاستشهادية، لما ترددت هذه الألفاظ؛ تحرك العالم كله! والله لا كرامة الآن لأي زعيم ولا لأي حاكم إلا بفضل أطفال الحجارة، هؤلاء هم الذين ردوا للأمة الآن شيئاً من اعتبارها، وشيئاً من كرامتها، وشيئاً من عزتها، ولأول مرة في التاريخ الحديث نرى أن اليهود أنفسهم يعيشون حالة فزع ورعب مع ما يتحصنون به من ترسانة عسكرية أمريكية حديثة لم يسبق لها مثيل! يعيشون الآن حالة من الرعب والفزع! لما علم أولادنا وشبابنا في المعركة أن الأمة قد تخلت عنهم ولن تنصرهم، وأن العالم الغربي الكافر لا ينصر إيماناً ولا توحيداً، فعاهدوا الله جل وعلا على الجهاد في سبيله، ورددوا قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:١٦٠] , وعلموا يقيناً قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] , ورددوا بيقين منقطع النظير قول الله تعالى عنهم: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران:٧٣] , وعلموا قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١]، وسعدوا كثيراً بقراءة قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨].