للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الفكر الإرجائي على الأمة]

أيها الحبيب الكريم: والله ما دمر الأمة إلا فكر إرجائي نخر في جسدها نخراً، لقد ذلت الأمة الآن لمن كتب الله عليهم الذلة من إخوان القردة والخنازير، يوم أن انحرفت الأمة عن حقيقة الإيمان، ويوم أن غاب عن الأمة المفهوم الحقيقي لمعنى الإيمان، فانطلق كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام يرددون بألسنتهم كلمة التوحيد والإيمان، من غير أن يقفوا لها على معنى أو على مقتضى، ومن غير أن يحولوا مقتضيات هذه الكلمة العظيمة في حياتهم إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة.

أيها الأحبة: ما أيسر التنظير! بل إن رفوف المكتبات تئن بالمراجع والمجلدات، وما وجدنا هذا الكم الهائل من المطبوعات بين سلف الأمة الصالح، ولكن البون الشاسع والفارق الكبير بيننا وبين هذه القمم الشماء والمثل العليا، أنهم كانوا إذا سمعوا عن الله أمراًَ، وإذا وقفوا لله على نهي، وإذا عرفوا لله حداً؛ امتثلوا الأمر واجتنبوا النهي ووقفوا عند حدود الله، وحولوا هذا المنهج النظري في جانب الإيمان إلى تصديق وإلى منهج عملي في واقع هذه الحياة؛ فسادوا الدنيا شرقاً وغرباً، وحولهم هذا المنهج المنير -يوم أن حولوه في حياتهم إلى واقع عملي- حولهم من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم، واستطاعوا في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق أن يقيموا للإسلام دولة عظيمة من فتات متناثر، فإذا هي دولة وبناء شامخ لا يطاوله بناء.

ويوم أن امتد الفكر الإرجائي إلى الأمة ونخر جسدها نخراً، وانطلق كثير من الناس يردد كلمة الإيمان والتوحيد من غير أن يصدقها قلبه، ومن غير أن يحولها في حياته إلى واقع عملي وإلى منهج حياة، فهو يقف عند قول الله تعالى في أمر فيمتثل، ويقف عند قول الله تعالى في قول آخر فلا يمتثل، يقرأ قول الله في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:١٨٣] فيمتثل أمر الله في هذا الجانب، وفي السورة ذاتها يقف عند أمر الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:١٧٨] فيقول: هذا الأمر لا يليق ولا يتفق مع مدنية هذا القرن يقرأ قول الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦] فيمتثل، وفي السورة ذاتها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] {الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧] {الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥] فلا يمتثل.

ومنهم من ردد بلسانه كلمة الإيمان وقد ضيع الصلاة، وامتنع عن الزكاة، وفعل الزنا، وشرب الخمر، وحرص على ذلك، والطامة الكبرى أنه بمجرد أن ردد لا إله إلا الله يعتقد أنه قد حصّل صكاً من صكوك الغفران، بدخول الجنان، والنجاة من النيران.