للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صور الشرك في توحيد الربوبية]

إن من الأمة الآن من يقول: ربي الله، ومع ذلك فهو يشك في أن الرزاق هو الله من الأمة الآن من أشرك في توحيد الربوبية، وأما أن تقر لله بالأمر والخلق والرزق والتصريف والتدبير، فهذا الجانب قد أقر به المشرك الأول في الجزيرة، إن سألته عن خالقه ورازقه: لمن تلجأ إذا وقع بك الضر في البحر؟ يقول: لله، ومن أبناء الأمة الآن يا إخوة -ولست مبالغاً- من أشرك حتى في هذا الجانب، في جانب توحيد الربوبية.

ولقد سمعنا بآذاننا رئيس دولة خرجت من بين برك الدماء والأشلاء يقول إنه ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تدبر نظامه وتسير شئونه!! وسمعنا بآذاننا على شاشة التلفاز المصري من يقول: إننا الليلة نحتفل بمولد سيدي السيد البدوي المهاب، الذي إن دعي في البر والبحر أجاب!! وسمعنا من يقول الآن في الشهرين الماضيين فقط: إن القرآن منتج ثقافي!! وقرأنا لعميد الأدب العربي -زعموا- وهو يقول: ارفعوا القداسة عن القرآن، وضعوا القرآن بين أيديكم كأي كتاب من الكتب يستحق النقد ويستحق الثناء!! وسمعنا من هذه الأمة من يقول:

هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم

سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

إن الإيمان ليس كلمة فقط، الإيمان كلمة وتصديق وعمل وواقع، لابد أن نحول أركان الإيمان في حياتنا إلى منهج حياة، إلى واقع عملي، وقد حفظنا قديماً: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، فإذا استقرت حقيقة الإيمان في القلب فلابد وحتماً أن تنعكس على هذه الجوارح، فتسمع الأمر لله، والنهي لله، وتقف عند حد الله، وشعارك السمع بلا تردد، والطاعة بلا انحراف، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥١ - ٥٢].

الإيمان قول وتصديق وعمل، ووالله لو علمت قريش أن كلمة الإيمان ما هي إلا مجرد كلمة سترددها الألسنة، دون أن تتحول في حياتها إلى واقع ضخم كبير؛ لرددتها مراراً وتكراراً، وما دخلت هذا الصراع الرهيب مع ابنها البار الذي خلعت عليه بالإجماع لقب الصادق الأمين قبل أن يبعث نبياً من رب العالمين.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمه وهو على فراش الموت: (يا عم! قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله يوم القيامة.

فيقول طاغوتان كبيران إلى جوار رأس أبي طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟) وكأنه لو قال كلمة الإيمان سيرغب عن ملة عبد المطلب، إنهم يعلمون أن هذه الكلمة لابد أن تخلعه من الشرك خلعاً، لابد إن قالها أن يخلع رداء الكفر كله، ورداء الشرك كله على أول عتبة للإيمان بالله جل وعلا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (قل.

وهما يقولان: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فالتفت إليهما وقال: بل على ملة عبد المطلب، فخرج المصطفى وهو يقول: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك.

فنزل قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:١١٣]).

فيا أيها الأحبة الكرام: من الناس الآن من يردد كلمة الإيمان وهو لا يعرف لها معنى، ومن الناس من يرددها وهو لا يقف لها على مقتضى، ومن الناس من يرددها وقد قسم حياته إلى قسمين: قسم في جانب العبادات، فهو يمتثل أمر الله وأمر هذه الكلمة في هذا الجانب التعبدي، والجانب الآخر في المعاملات والسلوك والأخلاق، لا ترى لهذه الكلمة واقعاً في هذا الجانب على الإطلاق، فلابد أن نعي حقيقة الإيمان.