للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطورة انتشار ظاهرة اللعن والسب بين الناس]

كذلك من المصائب المنتشرة اليوم فيما يتعلق بهذا: انتشار اللعن، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، وهو منتشر كثيراً على ألسنة الناس، وقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن المؤمن كقتله) وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) قال العلماء: "يحرم لعن إنسان بعينه أو دابة".

وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبواب الأرض دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً- أي: مسلكاً- رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها) إذا كان الملعون يستحق اللعن وقعت اللعنة، أو كان ممن لعنه الله تعالى أو رسوله، أو كان لعن الجنس كلعن اليهود والنصارى، أو لعن الفاسقين والمتبرجات، أو لعن النامصات والمتنمصات ونحو ذلك مما يجوز لعنه على وجه العموم، وإلا رجعت على صاحبها.

حتى الدواب والبهائم والجمادات لا يجوز لعنها، فقد أخرج مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فضجرت امرأة من الناقة، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذوا ما عليها من المتاع، ودعوها، فإنها ملعونة) لا يمكن أن يصحبنا ملعون في السفر، قال عمران: فإني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد، الدابة مهملة ولا أحد اقترب منها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها) فتركوها، فإذاً هكذا عقوبة تعزيرية للاعن (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) حديث صحيح.

إذاً: أيها المسلمون هذا اللعن المنتشر بين الناس حرامٌ في حرام، ويرجع على قائله في العموم والغالب، وحتى قضية السباب والشتام إذا جاوز الإنسان المسبوب والمشتوم، فإنه يأثم {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:١٤٨]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن إثم السب والشتم على البادئ إلا أن يتعدى المظلوم، فيسب ويشتم بأكثر مما حصل، وإن ترك السب والشتم حتى لو كان مظلوماً، فهو أحسن وأطيب.

فعن أبي هريرة أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم، وأبو بكر ساكت، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: (إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله، وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال: يا أبا بكر! ثلاثٌ كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعزه الله بها ونصره الحديث) رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

ولهذا ينبغي الامتناع والكف عن ذلك، وقد ضرب الصحابة المثل الرائع في هذا، فعن جابر بن سليم قال: (قلت: اعهد إليّ يا رسول الله- أوصني- قال: لا تسبن أحداً، قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاة) أخرجه أبو داود بإسناد حسن.

كم بين هذا وبين ما يحدث الآن من السب والشتم واللعن في المجالس والهواتف، والدكاكين والمحلات، ومجتمعات الناس ظاهرة سيئة، ويسب الرجل زوجته، ويلعن أولاده، وحتى أقرب الناس إليه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهر ألسنتنا وقلوبنا، اللهم إنا نسألك العفة والعفاف، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا يا رب العالمين.

أقول قولي لهذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.