للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفور الاجتماعي]

ومن الآثار الفضيعة للمعاصي والذنوب: النفور الاجتماعي الذي يصاحب العاصي، فالمعاصي تُلحق بصاحبها بغضاً ومعاداة ونبذاً اجتماعياً رهيباً، والله تعالى لما أمر بإقامة حد الزنا قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٢] فأراد الله إلحاق الأذى والذل بهؤلاء، وعدم الشفقة عليهم، وأن تكون الفضيحة بحضرة مجمعٍ من الناس ليكون أبلغ في الزجر والإهانة، ويحدث النفور الاجتماعي، والبغض في قلوب الخلق، وكذلك تغريب الزاني عاماً، فتحصل الوحشة في قلبه، وهكذا تكون الحدود من أسباب إهانة هؤلاء.

ثم إن الشهادة عند القاضي المردودة بالمعصية من آثار هذا، وقد قال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٤] فالله تعالى حكم عليهم بالفسق وأمر ألا تقبل شهادتهم، وسلب اسم الإيمان عنهم، وألحقهم بأسماء الفسق، فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:١١].

والإنسان العاصي يُسلب أسماء المدح والشرف؛ كالمؤمن والبر، والتقي والمنيب، والولي والأواب، والعابد والخائف، ويبدل بدلاً بذلك أسماء الفجور والمعصية؛ كالمفسد والخبيث، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والقاطع، والغادر، ونحو ذلك، هذه الأسماء التي تجعل له وحشةً في قلوب الخلق فينفرون منه.

وإن من الشؤم أن ينبذ الإخوان في الله صاحبهم العاصي من جراء معصيته، وهو يحس بأنه لا مكان له بينهم بسبب معاصيه، ويحس بأن قلوبهم قد تغيرت عليه، وأن هناك نفرةً، حتى ولو لم يؤذهم فإنه يحس بأن العلاقات متغيرة، وأن الوحشة حالة، وأن هناك تغيراً دون سببٍ ظاهرٍ، ولكن الله يوحش قلوب المؤمنين على العاصي؛ فلا يستقبلونه كما كانوا يستقبلونه، ولا يرحبون به كما كانوا يرحبون، ولا يكرمونه كما كانوا يكرمونه بسبب المعصية التي فعلها، وهكذا تتراكم المعاصي على قلب العاصي؛ فتهجره زوجته، ويستوحش منه أولاده وجيرانه، وهذه العلامة يحس بها العاصي إذا كان من حوله من عباد الله الصالحين، أما إذا كانوا من الفاسقين من مثله، فإنه قد لا يحس بشيء، بل هو في غفلته مع من يعمهون، ولذلك كان الانتظام في أهل الخير من أسباب سرعة الرد إلى الحق، عندما يحس العاصي بالوحشة فيسارع إلى التوبة والأوبة، والعودة إلى زمرة الصالحين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التقوى، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.