للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم التسليم لحكم الله]

المسألة الأولى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:٦٠ - ٦١].

فإذاً: لا يوجد إقرار بحكم الله ورسوله، ولا قناعة به، ولا تسليم له، بل يوجد صد وإعراض عنه، وتحاكم إلى غير شرع الله ورسوله، ولذلك قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: من الخصومات {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:٦٥] فليس فقط أن يحكموك في ما شجر، وإنما أيضاً لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيته، وليس هذا فقط بل: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] منقادين مذعنين طائعين، مذللين أنفسهم وقلوبهم لحكم الله ورسوله.

{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور:٤٨ - ٤٩] إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم تولوا وأعرضوا؛ لأنهم لا يسلِِّّمون بحكم الله ورسوله، لكن إذا كان الحكم لهم في الخصومة وكان الشرع سيحكم لهم، قالوا: لا نريد إلا الشريعة، ثم جاءوا منقادين لأن الحق لهم، ولأنه وافق هواهم، ولأنه في مصلحتهم: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:٤٩ - ٥٠] أي: فيظلمهم ويجور عليهم: {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:٥٠].

فإذاً: لقد ناقض المنافقون قاعدة الإسلام العظيمة في التسليم لله ورسوله بالحكم، وعدم الاعتراض عليه بعدم قناعتهم به، بل واستبدلوا الشريعة بقوانين الكفر واللجوء إلى الكافر واليهودي والكاهن للحكم بينهم.

والمسألة الثانية أيها الإخوة: (مبدأ سمعنا وعصينا) عدم التنفيذ وعدم العمل، قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:٨١] يظهرون الطاعة، وأبطنوا المخالفة والمعصية: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور:٥٣] أي: في الجهاد، ويطيعوا أمرك وينفذوا: {قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور:٥٣] فقد جربناكم من قبل، وبلوناكم وعرفنا أمركم من التجارب السابقة: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:٥٣] طاعة معروفة في الظاهر أما في الباطن فلا.

ولذلك لما وقعت غزوة تبوك تخلفوا وما خرجوا، فقال الله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} [التوبة:٤٢] أي: غنيمة سهلة {وَسَفَراً قَاصِداً} [التوبة:٤٢] أي: قريباً ليس ببعيد {لَاتَّبَعُوكَ} [التوبة:٤٢] لكن عصوا.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:٤٩] لقد برروا عدم خروجهم واعتذروا عن الخروج بالأعذار السخيفة، وقال قائلهم: إني أخاف على نفسي من نساء بني الأصفر (الروم): {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:٤٩] أي: سقطوا في الفتنة بعدم خروجهم وتنفيذهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:٤٩].