للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفكر في بر الله وإحسانه وآلائه]

كذلك من ضمن الأمور: مشاهدة بر الله وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى المحبة: الناس في الدنيا يحبون من أحسن إليهم؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها؟! إذا أعطاك إنسان أشياءً وأنعم عليك بأشياءٍ طيبة وأهداك ألا تحب هذا الرجل؟! نعم.

فإذاً: من الأشياء الجالبة للمحبة: أن تتفكر في نعم الله عز وجل، التي لا تعد ولا تحصى.

مثال: هذا التنفس أليس هو نعمة من الله عز وجل؟! لولا التنفس لانقطع عنك النَّفَس -لا سمح الله- ولو انقطع ماذا يحصل بك؟! تموت، ما هي إلا بضع دقائق فتختنق وتموت، كل نفس لوحده نعمة من الله عز وجل، كم نتنفس نحن الآن، كم نتنفس في الدقيقة؟! لا أدري كم يقول الأطباء؟! كم نَفَساً في الدقيقة؟ ثلاثون؟ عشرون! لم تحسب المسألة، فكم نَفَساً في اليوم! تجد أنها قريبة من أربعين ألف نَفَس، كل نفس بحد ذاته نعمة من الله عز وجل.

كل يوم أربعون ألف نعمة هذا فقط في نعمة التنفس وأما النعم الأخرى فلم نحسبها، فعندما نستشعر هذه الأشياء نحب الله عز وجل، عظمت كثرة النعمة وأحسسنا بها أحببنا الله عز وجل أكثر وأكثر.

فلذلك كان التفكر بنعم الله على عباده، وبره بهم، وإحسانه إليهم، وحفظه لهم، يؤدي للمحبة: {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:٤٢] مَن الذي يحفظكم غير الله عز وجل؟! هل هناك أحد يحفظ البشر غير الله عز وجل؟! {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤].

كذلك -أيها الإخوة- من نعم الله عز وجل: أنه فتح لنا باب الدعاء وباب الإجابة: هذه نعمة عظيمة، تأمل معي في هذا الحديث، حديث النزول الإلهي! (ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا) تأمل في هذه النعمة، ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا، يسأل عن عباده، ويستعرض أحوالهم، ويستعرض حوائجهم بنفسه، ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئهم إلى التوبة، ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه، وفقيرهم إلى أن يسأله غناه، وذا حاجتهم أن يسأله قضاء حاجته في كل ليلة، (ينزل الله إلى السماء الدنيا في كل ليلة فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟) إلى آخره، ينزل الله إلى السماء الدنيا يتفقد حوائج عباده بنفسه عز وجل، ويطلب.

فيقول: يا أيها العباد اسألوني، اسألوني أعطِكم هل تريد أعظم من هذه النعمة؟! تأمل معي هذه الآية في سورة البروج! قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠] الآن تتكلم الآية عن ماذا؟ تتكلم عن أصحاب الأخدود هؤلاء الطواغيت الذين أحرقوا المؤمنين لما رفضوا العبودية لغير الله، أحرقوهم داخل الأخاديد التي شقوها في الطرقات، ماذا قال الله عز وجل عن هؤلاء الفجرة الكفرة الذين أحرقوا المؤمنين؟ قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:١٠] يعني: فتنوهم عن دينهم وعذبوهم وأحرقوهم: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠] تصوَّر! مع هذه الشناعة في الأعمال، أحرقوا عباده ودفنوهم في الأخاديد، ثم قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠] ما قطع عنهم التوبة قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠] يعني: لو أنهم تابوا لتاب عليهم، مع شناعة جرمهم كان تاب عليهم.