للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشنقيطي يبدأ بحفظ القرآن]

قال: توفي والدي وأنا صغير، أقرأ في جزء عم، وترك لي ثروة من الحيوان والمال، وكانت سكناي في بيت أخوالي -وأمي بنت عم أبي- وحفظت القرآن على خالي عبد الله بن محمد المختار بن إبراهيم، حفظ القرآن وعمره عشر سنوات رحمه الله تعالى، وتعلم رسم المصحف العثماني عن ابن خاله وقرأ عليه التجويد، لقراءة نافع، برواية ورش وكذلك قالون، وأخذ عنه بذلك سنداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمره ست عشرة سنة، ودرس القرآن منهجاً متكاملاً، بما في ذلك رسمه ونوع كتابته، وضبط المتشابه في الرسم والتلاوة، وحفظ في ذلك السن بعض الأراجيز المتعلقة بهذا الفن والعلم، وكذلك درس مختصرات في فقه الإمام مالك رحمه الله كرجز الشيخ ابن عاشر، وأخذ مبادئ النحو الآجرومية، وتمرينات واسعة في أنساب العرب وأيامهم والسيرة النبوية، أخذها عن أمه، فكانت أمه إذاً عندها علم واضح بهذا، وهذا كثير عند الشناقطة الاهتمام باللغة العربية، وحفظ المنظومات في هذا، وكذلك في الأصول أخذ نظم الغزوات لـ أحمد البدوي الشنقيطي يزيد على خمسمائة بيت وشروحه لابن أخت المؤلف المعروف بـ حماد، ونظم عمود النسب للمؤلف وهو يُعد بالآلاف، ودرس أشياء في علوم القرآن والأدب والسير والتاريخ.

هذا فقط في محيط الأقارب من أخواله وأبناء أخواله وزوجات أخواله، وكذلك درس بقية الفنون، مثل الفقه المالكي على الشيخ محمد بن صالح، قسم العبادات، ثم درس عليه النصف من ألفية ابن مالك رحمه الله، ودرس على عدد من العلماء الشناقطة الجكنين، كالشيخ محمد بن صالح المشهور بـ ابن أحمد الأفرم، والشيخ أحمد الأفرم بن محمد المختار والشيخ العلامة أحمد بن عمر وغيرهم.

قال: وقد أخذنا عن هؤلاء المشايخ كل الفنون، النحو والصرف والأصول والبلاغة، وبعض التفسير والحديث، وأما المنطق وآداب البحث والمناظرة فقد حصلناه بالمطالعة، وكانت طريقة التدريس أن يأتي بعض المشايخ أو بعض العلماء في البوادي يحلون بها، ويتوافد عليهم الطلاب في خيام أو في مبانٍ بدائية تعد لهذا الغرض، وكان الشيخ يُعرف بالمرابط الذي يأتي ويدرس، ولا يأخذ مالاً بل إن كان لديه مال وزعه على الطلبة وأعطاهم، وكانت طريقتهم أنه لا يحق للطالب لديهم أن يجمع بين فنين في وقت واحد، بل يدرس فناً حتى يكمله، كالنحو مثلاً ثم يبدأ في البلاغة، وهكذا، ويبدأ في الفقه ثم بعد ذلك يثني بالأصول ونحو ذلك.

يكتب الطالب في لوح خشبي قد لا يستطيع حفظه ثم يمحوه ثم يكتب قدراً آخر حتى يتم المقرر في الفن، مثل: الألفية في النحو يكتبها أبياتاً حتى يحفظها، ويمحو ويكتب الأبيات التي بعدها وهكذا، فإذا حفظ المتن تقدم للدراسة على الشيخ، يشرحه لهم، في مجالس شرحاً وافياً بقدر ما عنده من تحصيل، وليس العادة أن يفتح الشيخ كتباً عندهم، وبعد ذلك يراجعون ما أخذوه عن الشيخ ويستذكرونه ويناقشونه، ويقابلونه لكي يتأكدوا من ضبط ما أخذوه.