للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشنقيطي في قرية النواري]

وقال: بتنا في القرية الفلانية بـ النواري ولم نعرف أحداً من أهلها -يقول: البلد هذه النواري ما عرفنا فيها أحداً- فتذكرت قول الشاعر:

إن للدهر إن تأملت صرخة يكسب المرء حكمة واعتبارا

ها أنا اليوم بـ النواري مقيم أي عهد بيني وبين النواري

ليست لي علاقة فيهم، ولا أعرف أحداً منهم، لكن اضطر الحال إلى أن نزلت في هذه البلد، وليس لي فيها معرفة.

قال: وجاءت بنا السيارة، بلد بامكوف الليلة الثالثة آخر الليل فنزلنا عند تاجر منا طيب الشمائل والأخلاق اسمه أحمد بن الطالب الأمين، وهو من أخص إخواني وتلاميذي، فبالغ في إكرامنا وأهدى لنا ثياباً ودفع عنا أجرة السيارة إلى بلدة نبتا فابتدرنا السفر إلى هذه الجهة، وركب معنا أخونا المذكور في السيارة، وباتت بنا في تلك الليلة في قرية اسمها سكثو وباتت في الليلة الثانية في قرية اسمها صن، ومررننا في طريقنا على قرى صغيرة مساكنها العرش والأخواص، يزرعون الذرة واللوز، وليس على أبدانهم شيء من الثياب أصلاً، ونساؤهم حالقات الرءوس، عاريات جميع البدن، والواحد منهم ذكراً كان أو أنثى يجعل خرقة صغيرة جداً أو ورقة من أوراق الشجر على سوءة قبله، ولا يستتر بشيء غير ذلك، وهم سود الألوان، سمعت بالاستفاضة أنهم وثنيون يعبدون الشجر، وما نزلنا في شيء من قراهم، ولا كلمنا منهم أحداً مع أن السيارة تمر بنا من بين مزارعهم، وسمعت أنهم ربما أكلوا الناس، ويسمون باللسان الدارجي العرايا وهم تحت حكم فرنسا.

ثم جاءت بنا السيارة بلدة مبتى وقت الظهر فنزلنا في دار فيها تجار منا فبالغوا في إكرامنا وبتنا معهم ليلتين، ثم ذهبنا إلى بلدة فاوى ودوينصة، ودخلنا فاوى وقت الضحى، فنزلت عند رجل تاجر من أبناء العلم اسمه الزاوي، وهو رجل طيب الأخلاق والشمائل فأحسن إلينا غاية الإحسان، واجتمع علينا التجار من قبيلتنا الجكنين، كانوا في أرض فاوى فمكثنا معهم أسبوعاً في غاية الإكرام والتبجيل.

وزارنا كثير من أهل فاوى، وسألونا عن مسائل منها: امرأة غاب زوجها، فسمعت في غيبته أنه مات، فظنت صدق الخبر فاعتدت وتزوجت، فحملت من الزوج الثاني ثم انكشف الغيب عن حياة الزوج الأول وعدم فراقه لزوجته، ما الحكم في ذلك في مذهب مالك رحمه الله؟ فأجبناهم بفتوى كتبناها لهم محررة بنصوص فروع مذهب مالك، وذكر صاحبها في صفحة ونصف تقريباً.

يعني هل تبين حكم الزواج بالثاني أنه باطل، لماذا؟ لأنها ما زالت في عصمة الأول؛ لأن الأول ما طلق ولا مات لتعتد عدة صحيحة، فإذاً الزواج الثاني باطل.

فهل ترجع إلى الأول؟ كيف ترجع إلى الأول وفي بطنها حمل؟ إذاً لا بد أن تنتظر حتى تضع حملها فإذا وضعت حملها وصار الرحم نظيفاً وبعد ذلك يُقال للأول: هل تريدها أم لا؟ فإذا قال: أريدها، رجعت إليه، وإن قال: لا أريدها، نقول: طلقها، فيطلقها فتعتد فيتزوجها الثاني زواجاً صحيحاً.

المهم هذه المسألة وفيها مناقشات وأبحاث للفقهاء، على أية حال أجابهم رحمه الله عن ذلك.