للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشنقيطي يلقى الترحيب والإكرام في أكثر القرى التي مر بها]

قال: ولما قدمنا إلى بلدة أنيامي في الضحى بعد الليلة الثانية، نزلنا عند تاجر اسمه الكيدي تورى، وهو رجل كريم السجايا والطبائع، فيه نفع للمار به من عامة المسلمين -جزاه الله عنهم خيراً- ففرح بقدومنا وأكرمنا غاية الإكرام، ورغب جداً في أن نقيم عنده شهر رمضان وقد استهل ونحن عنده، ووعدنا بأن يحملنا من كيسه في طائرة إلى جدة إن أقمنا معه مدة، فقلنا له: لا بد لنا من أن نجد في السير في الوقت الحاضر فأهدى لنا وودعنا.

فقد يقول قائل: ولماذا لم يسافروا بالطائرة إلى جدة؟ يقال: إن في سفره فوائد، فهو يريد أن يفيد الناس، وإذا ذهب إلى جدة بالطائرة فاتت كل الفوائد على الناس، وكذلك ربما يريد رحمه الله أن يدفع من جيبه أجرة الحج لأنه لا شك أنه كلما بذل الإنسان في حجه من جيبه كان أفضل، فالذي يحج على نفقته، أفضل من الذي يحج على نفقة غيره، مع أن الحج على نفقة الغير صحيح ولو كان فرضاً.

في مدة إقامتنا عند الحاج الكيدي تورى جاءنا رجل من أهل العلم من قبيلة تسمى الطلابا اسمه محمد بن إبراهيم وطلب منا أن نبين له معاني سلم الأخضري في فن المنطق بدرس شاف فأجبته، وكان يكتب ما أملي عليه من إيضاح معانيه، ليلاًً ونهاراً خوفاً من معاجلة السفر قبل إتمامه يقول: قبل أن يذهب الشيخ، نكتب ما عنده من العلم ليلاً ونهاراً، يكتب، الطالب قد يتحمل لكن الشيخ جاء من سفر، وفي سفر ومع ذلك بذل نفسه رحمه الله في الإملاء والتعليم، فجاء الإملاء شرحاً وافياً وعن غيره كافياً، الحمد لله رب العالمين.

ثم سألنا عن تعين الناسخ لآية الوصية للوالدين والأقربين ما الذي نسخها؟ فقلت له: كان هذا مشكلاً عليّ في زمن درسي فن أصول الفقه إشكالاً قوياً -فما الذي نسخ الآية؟ هل هي آية المواريث أم آية من القرآن أخرى، أم الذي نسخها من السنة، وهو حديث: (لا وصية لوارث) وإذا كان هذا فهل السنة تنسخ القرآن؟ وفي ذلك بحث طويل- فالشاهد أنه أجابه وبين له وجه الإشكال في خمس صفحات ورد عليه.

قال: ثم بعد ذلك قدمنا إلى بلدة مرادي وفي العشر الأوائل من رمضان أكرمت فيها ونزلت عند أحد أبناء عمي وفي ضيافته خمسة أيام، وقدّمنا فلوساً كانت عندنا إلى فورنلي بطريق الحوالة -يحتاجون إلى إرسال نقود إلى قرية سيأتون عليها، أو بلد سيأتون عليها فأرسلوا لها حوالة -ثم سافرنا من القرية التي تسمى مرادي، إلى بلد اسمها كانو، فلما مشينا قليلاً مررنا على مركز فرنساوي، هو الحدود بين النيجر الفرنسي ونيجيريا الإنجليزية وهذه تحت الاستعمار الفرنسي، وهذه تحت الاستعمار الإنجليزي، فنظر رئيس المركز في جوازات السفر وأمضاها، وبتنا تلك الليلة في بلد اسمها كتنة، ثم من الغد نزلنا وكان آخر النهار فنزلنا عند شريف ظريف، اسمه محمد الأمين الشريف، فأحسن إلينا غاية الإحسان، وبتنا عنده ليلة وبادرنا السفر من صبيحتها متجهين إلى قرية تسمى جص.