للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأخوة والمحبة من سبل النجاة]

ومن الأدلة على أن الأخوة في الله عز وجل لها فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم -وهذا يدلك على خطورتها وعلى عظمها ومنزلتها العالية -أن الله عز وجل وصف أهل الجنة بأنهم إخوة في الله، قال عز من قائل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] إذا دخل أهل الجنة الجنة لا يزال في صدورهم بعض الأشياء العالقة من الدنيا، فإذا دخلوا الجنة نزع الله من صدورهم الغل فصارت عندهم أخوة نقية ما فيها شائبة واحدة.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن شروط الإيمان (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله) إذا صارت هذه القضية فإن الله تعالى يظل هؤلاء المتحابين تحت ظل عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظله ((ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه).

إذاً -أيها الإخوة- هذا الحديث الأخير الذي ذكرته الآن يوضح معنى الكلام الذي قلته قبل قليل، وهو أن الأخوة في الله مرتبة عالية، ولها شروط كثيرة، فلذلك ليس أي اثنين تحابا يظلهم الله في ظله، لا.

بل لابد أن تكون الأخوة كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه) اجتمعا من أجل الله وعلى منهج الله، والطريق التي ارتضاها الله عز وجل، وتفرقا على نفس الشيء، ما تغيرت القضية بالمجلس، لما جلسوا ما تغيروا بل تفرقوا على مثلما جلسوا عليه، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، سواء في المجلس أو في مجالس متفرقة، أو كانت في الدنيا عموماً، اجتمعا عليه وفرق الموت بينهما وهما ما زالا على نفس العهد والميثاق الذي أخذه الله عليهما.

أيها الإخوة: نحن أحياناً لا ندقق في العبارات ولا ندقق في الآيات والأحاديث، لكنك لو دققت تجد أشياءً توضح لك لماذا القضية عظيمة (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن في صحيح الجامع (ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذ بيده إلا لله، فلا يفترقان حتى يغفر لهم) والآن نحن نلتقي كثيراً، وكثيراً ما يسلم بعضنا على بعض، لكن هل توافرت الشروط التي تجعل هذا الالتقاء ينتهي بمغفرة الذنوب لكلا الطرفين: (ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذ بيده إلا لله) لماذا نركز على هذا المفهوم؟ لأن الالتقاءات التي تحدث اليوم بين الناس -أيها الإخوة- ليست لله، ولا في الله، وإنما هي من أجل عرضٍ من الدنيا زائل.

الآن الناس يتلاقون فيسلم الواحد على الثاني، ويأخذ بيده ويصافحه، لكن إذا نظرت في الحقيقة لماذا يصاحبه؟ ولماذا يسلم عليه؟ ولماذا يأخذ بيده؟ تجد الغرض من وراء هذا كله مصلحة دنيوية، الآن الناس يلتقون لكن اللقاءات على الماديات الفانية: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] فلذلك لا يحس الواحد من هؤلاء طعماً مطلقاً، لا يجدون حلاوةً للقاء؛ لأن القضية فيها مصلحة، مسألة مصالح؛ ولذلك تجد الواحد يسلم على الثاني ويقابله ويبتسم بوجهه ويرحب به ويكيل له ألفاظ الثناء والمديح فإذا انصرفا وتفرقا، نزل فيه سباً وشتماً وغيبة، لماذا؟! من الأسباب: أن أصل اللقاء فاسد، وما بني على فاسد فهو فاسد، فأصل اللقاء فاسد وهو الدنيا، فمن الطبيعي أن يتفرقوا على أشياء كثيرة من البغضاء والشحناء، وهذه الابتسامات والمودة الظاهرة هي من أجل متاع دنيوي، لذلك لا يمكن لهؤلاء الناس أبداً أن يرتاحوا بهذه العلاقة التي تنشأ بينهما.