للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بالأخوة في الله نستطيع مواجهة الحياة]

المرء -أيها الإخوة- قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، الواحد منا لوحده لا يقوى أبداً على مواجهة الحياة وظروفها ومشاكلها، والعقبات التي تكون في طريقه، فالمشاكل كثيرة جداً، والهموم عظيمة، والمهمات صعبة، فأنت الآن -أيها المسلم- مكلف بمهمات وستواجهك عقبات أثناء الطريق، إذا ما كنت في وسط إخوة في الله عز وجل ستذوب شخصيتك في هذه الحياة الدنيا الفانية، وستنهال عليك المصائب من كل جانب، ولا من معين.

وتظهر أهمية الأخوة في الله بدلائل كبيرة عندما يكون المسلمون في حالة ضعفٍ واضطهاد، وعندما يكون الإسلام متأخراً في نفوس الناس، وعندما ينحسر المد الإسلامي في العالم، ويحس المسلمون بالغربة؛ عند ذلك تنبع أهمية الأخوة في الله.

أيها الإخوة: إن ما يمر به المسلمون اليوم من ظروفٍ كالليل الحالك، وكالظلمة الشديدة، في خضم هذه الجاهليات العاتية التي تصدم المسلمين من كل جانب، يحتاج الفرد المسلم إلى تقوية نفسه، وإلى إيجاد شيءٍ يرتكز إليه عندما يواجه هذه المصاعب والتحديات، تحديات كثيرة تواجه المسلمين اليوم، لو لم تكن هناك أخوة في الله تثبت هذا المسلم على الدين لتزلزل بفعل العواصف التي تأتي من أعداء الإسلام.

والمسلمون الآن يعيشون في غربة، إذا ما كان هناك أخوة تسهل عليك هذه المصائب، وتزيل عنك هذه الوحشة التي تجدها في قلبك، فكيف يكون لك الاستمرارية في السير في هذا الطريق؟! من هنا كانت الأخوة في الله مهمة جداً، مهمة جداً في طلب العلم، وفي الدعوة إلى الله، مهمة جداً في تربية النفس، مهمة جداً إذا نزلت بك مصائب وواجهتك عقبات.

إذا فكر الإنسان -أيها الإخوة- في مواجهة العالم وأعداء الإسلام لوحده يحس أنه لا شيء، ماذا يمكن أن يفعل لكي يغير الواقع، ماذا يمكن أن يفعل بمفرده؟

الجواب

لا شيء، عندما يفكر منطلقاً من إخوانه يحس أن هناك قوة كبيرة جداً تدفعه إلى الأمام، وتقوي هذه النفسية حتى تجعلها على مستوى التحديات، فتقاوم هذه التيارات وتشق طريقها بقوة، هذه النفسية التي تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبدونها -أي: بدون الأخوة في الله- يشعر الإنسان بالإحباط، ويشعر باليأس ويفقد الأمل في تغيير الواقع.

وإذا أخذنا نموذجاً من النماذج التي كانت عليها حياة السلف في باب الأخوة في الله، كيف كانت مجتمعاتهم؟ كيف كانت جماعاتهم؟ كيف كانت بيئاتهم؟ كيف كانت مجالسهم العلمية؟ فاستمع معي لما يقوله الإمام أبو حازم الأعرج رحمه الله تعالى.

يقول رحمه الله: لقد رأيتنا عند زيد بن أسلم - زيد بن أسلم من العلماء- أربعين فقيهاً أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه -هذا الفقيه- متماريين -متجادلين- ولا متنازعين في حديثٍ لا ينفعنا.

هكذا كانت مجالس السلف، هذا هو العموم الشائع، لا يعني أنه لم تكن هناك مشاكل ولا أمراض، لكن هكذا كانت مجالسهم، أربعون على قلب رجلٍ واحد، لا توجد مشاكل بينهم.