للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبواب متفرقة في سد الذرائع]

لماذا يُنهى عن الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة؟ إذا أذن المؤذن لا تخرج من المسجد حتى تصلي إلا لحاجة أو ضرورة مثل أن يحتاج إلى الوضوء، أو صار له ظرف طارئ، لكن الأصل النهي ورد عن خروج الرجل من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة حتى لا يظن به ظن سوء.

وكذلك إذا جئت إلى مسجد وهم يصلون وأنت قد صليت هل تجلس وراء الصفوف تتفرج عليهم؟ لا.

كما ورد الأمر بذلك في الصلاة ولو صليت في رحلك وصليت في مسجد آخر ثم أتيت مسجد جماعة فوجدتهم يصلون فصل معهم؛ لأن جلوسك وحدك وراءهم يسبب الشك والشبهة والظن السيئ بك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام -الحديث في الصحيح- لرجل: (ألست من المسلمين؟) واحد أتى ما صلى معهم، أقيمت الصلاة قاموا يصلون وهو ما صلى معهم، قال: (ألست من المسلمين؟ قال: بلى يا رسول الله) لكن أنا صليت.

فأخبره عليه الصلاة والسلام أنه إذا جاء مسجد جماعة وهم يصلون فليصل معهم ولو كان صلى، تحسب له نافلة والأولى هي الفريضة.

وهذا الباب يحتاجه الناس الآن، الإنسان لا بد أن يجلي موقفه، يستفيد من طريقة الشريعة في توضيح الأمور سداً لطريق الشيطان من إلقاء الظنون السيئة في نفوس الآخرين، أولاً: يجتنب أن يكون في مواضع التهم، فلو أن واحداً قال: أكون واقفاً مع الفسقة في الشارع، أو في مكان معروف أنه يرتاده الفساق، نقول: إن جلوسك معهم ووقوفك معهم ذريعة للظن بك ظن السوء، فإذا لم يكن هناك مصلحة راجحة من وقوفك، أو أن تستطيع توضيح موقفك للآخرين فلا تقف هذه الوقفة، ولا تجلس هذه الجلسة، ولا تغش هذا المكان، وأماكن الشر التي يتردد عليها الفساق كثيرة، مثلاً: هل يليق بشاب مسلم يخاف الله أن يذهب إلى مقهى من المقاهي التي تكون فيها الشيشة، ولعب الورق، والطاولة وغير ذلك ويجلس فيها، يكون معهم؟ لا.

والشريعة كذلك تحرص على معالجة النفوس وسد كل طريق من طرق الشحناء والبغضاء، لماذا نهينا عن تخطي المسجد المجاور على فرض ثبوت حديث الذي فيه كلام للعلماء؟ لكن لو ثبت الحديث النهي عن تخطي المسجد المجاور والانتقال إلى المسجد الآخر.

فذلك حتى لا يكون في ذلك ذريعة لهجر المسجد، لأن الناس إذا تخطوا المسجد المجاور وذهبوا إلى مساجد أخرى هجروا مسجدهم، فبقي المسجد بلا رواد، وكذلك قد يكون فيه إيحاش للإمام يقول: هذا لماذا لا يصلي ورائي؟ هل يظن بي سوءاً في ديني، أو خللاً في عقيدتي؟ لماذا لا يصلي ورائي؟ وكذلك يكون فيها تهمة للشخص؛ لأنه من الحارة ومن الحي ومع ذلك لا يرى في المسجد، فأين هو؟ هل هو نائم في بيته؟ لماذا يتخلف عن الصلوات؟ فيظن به ظن سوء؛ ولذلك على الإنسان أن يصلي من الصلوات ما يكون به ساداً لذريعة ظن السوء به.

وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحديث بعد العشاء إلا في طاعة أو مجلس علم أو إكرام ضيف حتى لا يؤدي هذا السهر إلى تفويت قيام الليل أو إلى تفويت صلاة الفجر.

ثبت في الحديث النهي عن النوم قبل صلاة العشاء حتى لا يؤدي إلى ترك صلاة العشاء أو تفويت وقتها، ولذلك الآن أصحاب الأعمال والدوام والنوبات الذين يعملون في الشركات، كمجال الطيران وغيره، هؤلاء قد يداومون في الليل ويحتاجون إلى نوم في النهار، فينبغي عليهم الانتباه إلى ألا يؤدي نومهم إلى تضييع الصلاة.

وكذلك الطلاب في أوقات الامتحانات بعضهم يسهر في الليل للمذاكرة وينام في النهار مما يؤدي إلى تضييع صلاة الظهر والعصر أحياناً، وهذا حرام لا يجوز، فإذا كان العمل أو النوم مباحاً لكن إذا كان يؤدي إلى تضييع الصلاة لا يجوز أن ينام حتى يصلي، أو يتخذ من الإجراءات ما يوقظه للصلاة.

نهى الشارع أن يمدح الشخص أخاه المسلم في وجهه؛ لأنه يؤدي إلى فتنته وإدخال العجب والغرور في نفسه.

النهي عن الاحتباء في الجمعة حتى لا يؤدي إلى خروج الريح، أو انكشاف العورة، أو إلى النوم، أو هذه الجلسة تؤدي إلى جلب النعاس.

ومنعت المعتدة من وفاة زوجها من الزينة والطيب، ولا يجوز أن يصرح إنسان بخطبتها، لأن النكاح محرم في العدة، فنهيت عن كل ما كان ذريعة إليه من التطيب والتزين والتصريح بالخطبة.

هذه قاعدة أيضاً معناها موجود في كثير من الأدلة في العلاقة الزوجية مثل الحائض فإنه لا يأتيها إلا إذا ائتزرت بإزار، ويستمتع بها ما فوق السرة وما تحت الركبة، ولا تجوز المباشرة في الفرج مطلقاً لأنه يؤدي إلى الوقوع في الجماع في الحيض وهذا محرم.

فنقول: أحياناً يكون الشيء مباحاً، ولكن يؤدي إلى شيء مذموم، هب أن إنساناً قدم بلداً وهو ما زال مسافراً سيمكث فيها يوماً أو يومين في نهار رمضان، فإنه يجوز له الإفطار، لكن لا يجوز له أن يفطر أمام الناس لئلا يظنوا به ظن السوء، ما أدراهم أنه مسافر؟ سيجلب التهمة إلى نفسه.

وكذلك ما ذكره العلماء من عدم وضع السم في الطعام للفئران إذا كان في مكان تصل إليه يد الأطفال مثلاً، ونحو ذلك.