للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البيئة تؤثر على المرء في الاستدراك]

وسط الإنسان المحيط به له دور في دفع الشخص للاستدراك أو للتفويت، والدعاة إلى الله عليهم دور عظيم في حث المسلم الجديد لاستدراك ما فاته بعمل الصالحات، مقابلة السيئات التي كان يفعلها في الجاهلية.

بعض الصحابة لما أسلموا كان عندهم هذا الشعور.

عن ابن عباس قال: (كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله! ثلاثاً أعطنيهن قال: نعم.

قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجك، قال: نعم -وبعض المحدثين قد اعترض على هذه اللفظة، والخطأ في هذا الموضع- قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم.

قال: وتؤمرني -هذا الشاهد- حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم) رواه مسلم.

إذاً: أبو سفيان لما رأى نظرة الناس له عرف وأحس بالتقصير، وأراد أن يعوض.

,خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، لما أسلموا اندفعوا للتعويض، وينبغي على المسلم إذا هداه الله أن يندفع للتعويض، فقد كان في جاهلية؛ كان في سنوات الضياع والتيه والبعد عن الشريعة، فإذا اهتدى اندفع للتعويض.

لاحظ معي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، وقال الهيثمي عن إسناده: رجاله ثقات، ولعل في بعضهم شيئاً من الكلام، لكن هذه المسألة في القصص والسيرة، يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق -وكان مع المشركين- جمعت رجالاً من قريش، وكانوا يرون مكاني ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون -والله- إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علواً كبيراً منكراً، وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟ قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بـ النجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يد محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرف، نرجع إلى قومنا فلن يأتينا منهم إلا خير، فقالوا: إن هذا لرأي.

واضح أنه بعد معركة الأحزاب بدأ ميزان القوى يتحول، قال: فقلت لهم: فاجمعوا له، أي: للنجاشي ما نهدي له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم، أي: الجلود، فجمعنا له أدماً كثيراً، فخرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه -أي: إلى النجاشي - في شأن جعفر وأصحابه، فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري لو قد دخلت على النجاشي، فسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد صلى الله عليه وسلم.

فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحباً بصديقي -وهذا يدل على قوة العلاقة بين النجاشي وعمرو بن العاص - أهديتني من بلادك شيئاً؟ قال: نعم أيها الملك قد أهديت لك أدماً كثيراً، ثم قدمته إليه فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك! إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة فظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه، ثم قلت: أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال النجاشي: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله؟! قال: قلت: أيها الملك أكذاك هو؟ فقال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعله الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده.

قال: قلت: فبايعني له على الإسلام، قال: نعم.

فبسط يده وبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة إلى المدينة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم -وفي بعض المراجع الميسم: هو أثر الحسن والجمال في الشيء، ويعني: خالد رضي الله عنه الحق، أي أن: الحق استبان- وإن الرجل لنبي، أذهب والله أسلم، فحتى متى؟ هذه كلمة مهمة جداً، يقول خالد بن الوليد: الحق استبان فحتى متى لا نتدارك أمرنا الآن ونسلم، فقلت: والله ما جئت إلا لأسلم، فقدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمنا.

وهكذا قد يسمع بعض الشباب التائبين الحق في أمريكا، هو هنا ضال، يذهب إلى أمريكا يسمع كلمة الحق هناك ويهديه الله، ويرجع مهتدياً من هناك بعد أن كان ضالاً هنا، وهذا عمرو بن العاص ذهب فسمع من النجاشي، ورجع متأثراً.