للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراعاة الشعور عند التعليم والتعلم]

التعليم والتعلم أيضاً فيه مراعاة للشعور، وعند سؤال العالم يجب أن يكون فيه مراعاة للشعور، ولذلك لا يأت السائل إلى عالم ويقول: أنت! أو يا هذا! ما الحكم في كذا؟ أو يقول: أجب على هذا السؤال، لا.

بل لابد أن يراعي الإنسان شعور العالم ويحفظ له قدره، ويأتي بالألفاظ التي تشجعه على الإجابة، كغفر الله لك، وأحسن الله إليك، ويرحمك الله أجبني على كذا، وبيَّن لي كذا.

يقول علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً)، أي يخرج منه المذي بسرعة وبكثرة عند ملامسة النساء أو الاجتماع بالزوجة مثلاً، وزوجته هي فاطمة الرسول بنت صلى الله عليه وسلم.

والمذي هو الذي يخرج من الرجل عند مداعبة الزوجة، أو عند الجماع فالذي يخرج المني لا المذي.

فكان علي رضي الله عنه لا يدري بحكم المذي هذا، وكان يغتسل حتى ولو كان الجو بارداً إذا خرج منه حتى تشقق ظهره.

فأراد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحكم، ولو أنه سأله لشعر بالحرج منه، وهذا الشيء الذي يسأل عنه يخرج منه عندما يجلس علي مع بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.

فقال علي: (فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فسأله، فقال: فيه الوضوء)، وفي رواية: (توضأ واغسل ذكرك -وفي رواية-: وأنثييك) فأصبح الحكم لمن خرج منه المذي أن يغسل ذكره وانثييه -ما أسفل الذكر- ثم يتوضأ، ويكون بذلك قد تطهر من خروج المذي.

وجاء معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه إلى المدينة ولم يكن يعلم أن الكلام في الصلاة قد حرم، فعطس رجل من الناس، فقال له معاوية بن الحكم: يرحمك الله، فضرب الصحابة على أفخاذهم فقال: ما فعلت؟! وهو في الصلاة ولا يدري أن الكلام في الصلاة قد حرِّم، لأنه في أول الأمر كان الكلام في الصلاة مباح، كان الواحد يسأل الآخر ويقول: متى نزلت هذه الآية التي نسمعها الآن من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ثم نزل قول الله عز وجل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] ومُنع الكلام.

فلما سلموا من الصلاة وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يرفق بهذا الرجل ويقول: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي كذا وكذا) فعلمه بدون أن يشهر به، وبدون أن يقسو عليه.

وكذلك الأعرابي الذي بال في المسجد، رفق به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعطس رجل في مجلس ابن المبارك ولم يقل الحمد لله، فرموه الناس بأبصارهم، ينكرون عليه كيف لم يقل: الحمد لله، فتدارك عبد الله بن المبارك الرجل قبل أن تلتهمه أبصار الناس، فقال له: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد لله، قال عبد الله بن المبارك: يرحمك الله.

فانتهت المشكلة، جعله يقول: الحمد لله من غير إحراج، ورد عليه يرحمك الله.

ومن الأمثلة -أيها الإخوة- التي تدل أيضاً على مراعاة النفوس في طلب العلم: ذُكر أن الأصمعي اجتمع بـ الخليل بن أحمد، وحرص على فهم العروض منه -العروض هي أوزان الشعر- فأعياه ذلك، فقال له الخليل بن أحمد يوماً -يريد أن يفهمه من غير أن يجرح شعوره-: قطِّع لي هذا البيت:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

ففهم ما أراد، فأمسك عنه ولم يشتغل به.