للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحشر وأنواعه]

الحشر: جمع الناس يوم القيامة، والمحشر: المجمع الذي يحشر إليه الناس.

والحشر أربعة: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة، فاللذان في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:٢] والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة فيما رواه مسلم رحمه الله تعالى: (إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات) والحشر الثالث: حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى الموقف قال تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:٤٧] والحشر الرابع: حشر أهل الموقف إلى الجنة، أو إلى النار.

أما الحشر الذي يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، فإن الناس يطردون إلى المحشر وهو بأرض الشام بنارٍ يخرجها الله سبحانه وتعالى من نحو حضرموت من عدن أبين كما جاء في الحديث الصحيح، ثم تنتشر في الأرض، فتحشر الناس إلى مكان الحشر وهو الشام، يحشرون بطرائق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا) يحشرون إلى بيت المقدس في أرض الشام كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: (فتخرج نار من نحو حضرموت تحشر الناس، قلنا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: عليكم بـ الشام) وقوله في الحديث: (راغبين راهبين) أي: ينطلقون هرباً من الفتن إلى أرض الشام في آخر الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يبقى في مكانه، ثم بعد ذلك إذا جاءت الفتن والبلايا والزلازل العظام، وكثرت الصواعق، فعند ذلك يذهبون على الإبل والدواب اثنان على بعير وثلاثة وأربعة يعتقبون، يركب بعضهم ويمشي الآخر، ويبقى أناسٌ لا يلقون ظهراً كما شرح ابن مسعود فيما صح عنه: أن الله يرسل آفةً، فيفنى الظهر، فتقل الدواب جداً حتى يمشون مشياً، والنار تحيط بهم، ومن تخلف أكلته، حتى يحشرون إلى الشام التي سيكون فيها الموت لجميع أهل الأرض قبل أن يبعثوا مرة أخرى.

فهذا الحشر يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة مباشرةً، بنارٍ تخرج وتحيط بالناس فتحشرهم جميعاً إلى بيت المقدس في الشام، وبعد ذلك نفخة الصعق التي يموت فيها الناس أجمعون، ثم يبعثون مرةً أخرى فينشرون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته ميمونة بنت سعد: (يا نبي الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر) حديث صحيح.

المنشر: بعث الناس من الموت إلى الحياة مرة أخرى، والمحشر جمعهم في ذلك المكان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون رجالاً وركباناً، وتجرون على وجوهكم هاهنا، وأومأ بيده إلى الشام).

أما أرض المحشر التي يحشرون إليها بعد قيامهم من القبور، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد) عفراء: ليست نقية البياض، وإنما بياض يضرب إلى حمرة.

كقرصة النقي أي: كقرص الخبز النقي الخالي من الغش والنخالة.

ليس فيها معلم لأحد: لا علامة من سكنى، أو بناء، أو أثر، أو جبل، أو صخرة بارزة، وإنما هي مستوية لا ترى فيها عوجاً، ولا أمتاً، لا يستطيعون الاختباء خلف أي شيء في تلك الأرض: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم:٤٨] فالله سبحانه وتعالى؛ يبدل معالم الأرض، ويغير صفاتها فتكون مستوية: {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:١٠٧] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تمد الأرض مد الأديم لعظمة الله عز وجل، فلا يكون لرجلٍ من بني آدم منها إلا موضع قدميه) قال البوصيري: إسناده صحيح.

والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، يخرج من قبره، ثم يخرج الناس على إثره بعد ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي) يعني: على أثري، يحشر الناس بعد قيامه صلى الله عليه وسلم، يحشرون وراءه، ويحشر المؤمنون، قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم:٨٥] ومعنى وفداً: كوفد الملوك الذين يقدمونع على الملوك لإكرامهم، الوافد من يأتي إلى الملك في أمر له شأن ينتظر الكرامة والنعمة والضيافة: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم:٨٥].

ويحشر بعض الصالحين من بطون الطير والسباع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على حمزة بعد وقعة أحد، وقد جدع، أي: قطع أنفه، ومثل به: قطعت بعض أعضائه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى تأكله العافية -وهي السباع والطير التي تقع على الجيف- حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، ثم كفنه في نمرة صلى الله عليه وسلم) وفي هذا دليلٌ على أن الله تعالى يحشر المحترقين والذين تحولوا إلى رماد، والذين أكلتهم الحيتان والسمك في قاع البحر، والذين أكلتهم الطيور والسباع وتخطفتهم، فالله تعالى يحشرهم جميعاً، ولما أوصى بعضهم أولاده بأن يحرقوه، ويذروا رماده في البحر في يوم عاصف، قال الله تعالى: قم، فقام بين يديه، وقد جمعه الله.