للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة إلى الجنة مع الحور العين ووصفهن]

الحمد لله، الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، هو الحي القيوم، هو الحي لا يموت والجن والإنس يموتون، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً رسول الله، وعبده ومصطفاه، وخاتم أنبيائه ورسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

عباد الله: تعالوا بنا الآن في رحلةٍ أخرى تختلف عن هذه الدنيا تماماً، تعالوا بنا في رحلة تنسينا بالكلية فتنة نساء هذا الكوكب، فإن من علاج القضية أن يتمعن الإنسان فيما أعد الله لمن يصبر من الأجر.

فإن من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لا يشربها يوم القيامة، ومن لبس الحرير من الذكور في الدنيا ولم يتب، لا يلبسه يوم القيامة.

فالذي يزني في الدنيا ولم يتب، فماذا سيكون الموقف يوم القيامة؟ ومن أي شيء يحرم؟ وما هي عاقبة الذين يصبرون على هذا العذاب؟ أقول: العذاب -فعلاً- من شدة الفتنة ولأوائها في هذا الزمان، فهل الذي يصبر، ويقول له أصحابه: أنت مجنون أنت معقد أنت تحرم نفسك، هل هذا الذي يصبر سيلاقي شيئاً أم لا؟ وإن سألت عن عرائسها وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حِبها، فقل ما تشاء في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة المحبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين.

لو طلعت على الدنيا، لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالحي القيوم، ونصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبةً ووصالاً مبرأةً من الحبل والولادة والحيض والنفاس، مطهرةً من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه.

وإن سألت عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب، وإن سألت عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان اللآتي جمع لهن بين الحسن والإحسان، وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج.

فما ظنك بامرأةٍ إذا ضحكت في وجه زوجها، أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا حاضرت زوجها، فيا حسن محاضرتها! وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة! وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع! وإن آنست وأمتعت، فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع! قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٥ - ٣٧].

وتفضل المرأة الصالحة في الدنيا تلك المرأة من الحور العين بصلاتها وصيامها، ويجعلها الله تبارك وتعالى من العرب وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعل والتحبب إلى الزوج، والعروب من النساء المطيعة لزوجها العاشقة له المتحببة إليه، أبكاراً؛ ذلك لفضل وطء البكر على الثيب، فجعلهن الله أبكاراً، ولو كانت في الدنيا ثيبة.

وقال الله تعالى عن الحور العين: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٧٤] فلم يطأهن، ولم يغشهن إنسٌ ولا جانٌ من قبل {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٨] بالياقوت لصفائه، وبالمرجان لبياضه، فجمعن بين هذا البياض والصفاء.

قال أبو هريرة: (ألم يقل أبو القاسم: إن أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ولو اطلعت امرأة من نساء الجنة إلى الأرض، لملأت ما بينهما ريحاً، وأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها) هذا قدر الخمار، فما بالك بقدر اللابسة! أزواجٌ مطهرةٌ، لا حيض، ولا نفاس، ولا سوائل، ولا صفرة، ولا كدرة، ولا عرق، ولا بصاق، ولا مخاط.

عباد الله: هذه النساء الحسان يغنين لأزواجهن، قال الله عن المؤمنين {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم:١٥] يحبرون أي: يسمعون الغناء، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قط) إن مما يغنين به:

نحن الخيرات الحسان أزواج قومٍ كرام ينظرن بقرة أعيان

وإن مما يغنين به:

نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يضعنه

ويقلن:

نحن الحور الحسان خبئنا لأزواجٍ كرام

وهكذا يتقلب المرء من أهل الجنة بين زوجاته وهو في هذه الخيمة من اللؤلؤة المجوفة، طولها سبعون ميلاً، في كل زاوية له أهل لا يراهم الآخرون، (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا) إنها مشتاقة إليه من الآن.

وقد أخبر علي رضي الله عنه وأرضاه في الحديث الموقوف الذي له حكم الرفع: (أنه إذا دخل الجنة، خف إليه الغلمان، فتحلقوا حوله، خدمه وحشمه يستقبلونه، يذهب واحدٌ منهم مسرعاً إلى بيته، فيخبر تلك الحورية بأن زوجها على وشك الوصول، فلا تصبر حتى تخرج إلى أسكفة الباب لتستقبله) إنه استقبال عظيمٌ يومئذٍ، ويعطى الرجل قوة مائة رجل في الجماع، ويصل إلى نسائه في الجنة وهي تهب ريح الشمال يوم الجمعة -كما جاء في صحيح مسلم - (فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً) فأين هذا -يا عبد الله- من لذة ساعة شر إلى قيام الساعة، فإذا قامت الساعة، كان ذلك أشد وأنكى؟ أين هذه الصفات للحور العين من هؤلاء النساء؟ مهما تجملت فغالب زينتها المكياج الزائف، ومهما كانت جميلة فانظر إليها بعد سنين، فإنها تكون في غاية القبح والدمامة، وتصبح عجوزاً شوهاء، ومع ذلك فإن الاستمتاع بها مكدر في حيضها ودمها وطمثها وإفرازاتها، وسائر الأشياء المقرفة التي تخرج منها، أين هذا من هؤلاء الأزواج المطهرة؟ فمن صبر هنا، كان له هذا هناك، ومن لم يصبر هنا، فيا سوء ذلك الحرمان! ونعوذ بالله من الخذلان.

اللهم إنا نسألك الفوز بالجنان، والعتق من النيران اللهم هب لنا من زوجاتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً اللهم طهِّر قلوبنا، وحصِّن فروجنا، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

اللهم باعد بيننا وبين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وارزقنا العفة والعفاف , والأمن والإيمان.

اللهم انشر الأمن والإيمان في بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، إنك أنت أرحم الراحمين.

اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر هذه الأمة، اللهم ردها إلى كتابها وسنة نبيها، وأيقظها من سباتها، واكتب لها النصر على أعدائها يا رب العالمين اللهم اجعلنا في بلدنا آمنين مطمئنين وسائر إخواننا المسلمين يا رب العالمين.

اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين يا رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.