للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لباس الحسن البصري وزينته وطعامه]

ومن جهة لباسه وزينته وطعامه ربما يظن بعض الناس أن الحسن عندما كان واعظاً، أنه يلبس أسمالاً بالية وثياباً مرقعة؛ ولكن الرجل كان جيد اللباس، ليس عنده تعارض بين الزهد وبين جودة اللباس وجماله، فقال ابن عُلَي عن يونس: كان الحسن يلبس في الشتاء قباءً حِبَرَة، وطيلساناً كردياً، وعمامة سوداء، وفي الصيف إزارَ كتَّانٍ، وقميصاً، وبرداً حِبَرَة.

وقال أيوب: ما وجدتُ ريح مرقة طُبِخَت أطيب مِن ريح قِدر الحسن.

وقال أبو هلال: قلَّما دخلنا على الحسن، إلا وقد رأينا قِدراً يفوح منه ريح طيبة.

وكان يأكل الفاكهة، فلم يكن الحسن صوفياً مثل هؤلاء الصوفية الذين يتعمدون أن يُرى عليهم اللباس البالي والمرقع، ولا يأكلون اللحم ولا الفاكهة، بل كان يعتني بأمر حاله، ويتجمل لإخوانه، كيف وهو يُغْشَى؟! فالواحد إذا كان لوحده ربما يلبس ما شاء، لكن إذا كان يتصدى للناس، ويأتونه ويسألونه، ويقتربون منه، ويجلسون حوله، فلا بد أن يكون طيب الرائحة، حسن الثياب، يتجمل للناس، حتى يحبوه.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في الأعياد والجُمع يتزين.

أرْسِلَت إليه جُبَّة، فعرض عليه عمر رضي الله عنه أن يلبسها ويتزين بها للوفود؛ لأن الناس يهتمون بالمظاهر، ولا يناسب أن يكون العالم مظهره رث، وهيئته بالية، ورائحته غير طيبة، وثيابه غير نظيفة، بل إنه يكون نظيف الثياب، طيب الرائحة؛ لأنه يُغْشَى ويُخْتَلَط به، وهكذا يجب أن يكون الدعاة إلى الله الذين يأتون إلى الناس ويخالطونهم، فيجب أن يكون أحدهم كالشامة بين الناس، لا بأس أن يكون ثوب أحدهم حسناً، ونعله حسنة، ورائحته طيبة، وثيابه مرتبة، لكن الإنكار على مَن أسرف، (كُلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرَفٌ، ومخيلة) المشكلة في السَّرَف والخُيَلاء، وإضاعة الأموال في التوافه، ووضع المال في شيء لا يستحق؛ كالمبالغة في الزينة، والزخرفة.

قال قتادة: دخلنا على الحسن وهو نائم، وعند رأسه سَلَّة، فجذبناها؛ فإذا فيها خبز وفاكهة، فجعلنا نأكل، فانتبه -أي: من النوم- فرآنا، فتبسم- ارتاح جداً أن يرى إخوانه يأكلون من طعامه؛ لأنه يؤجر- وهو يقرأ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:٦١] إشارة إلى الآية التي فيها: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور:٦١] إلى أن قال: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:٦١] فإذا علمت أن صديقك يرضى إذا أكلتَ من بيته، ولو كان غير موجود، أو بدون إذن، فلا يحتاج الأمر إلى إذن، لا يشترط إذن الصديق إذا أذن لك في بيته أن تأكل منه، فلو أعطاك مفتاح البيت وأذن لك بدخوله، وأنت تعلم أنه يرضى أن تأكل من طعامه، فلا حرج عليك أن تفتح الثلاجة وتأكل من طعامه مما هو موجود في البيت دون إفساد، وهذا الحسن رحمه الله لما رأى إخوانه يأكلون من فاكهته وهو نائم سره ذلك، وقرأ الآية: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:٦١].

وعن جرثومة قال: رأيت الحسن يُصفِّر لحيته في كل جمعة.

وقال أبو هلال رأيت الحسن يغير بالصفرة.

فمن السنة تغيير الشيب بالحناء بالكتم، والصفرة شيء إلى الحمرة، أو اللون البني لا بأس بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غيِّر الشيب وجنبوه السواد) و (نهى عن الخضاب بالسواد) و (ليأتين أقوام في آخر الزمان يخضبون بالسواد لهم حواصل كحواصل الحمام لا يدخلون الجنة ولا يريحون ريحها) وحوصلة الحمامة: مثلما يكون من هذا الشكل الهلالي، الذي يجعلونه في اللحى من العبث بها، بحيث يكون هيئتها كحوصلة الحمامة، ويصبغونها بالسواد، فيكون سوءاً على سوء.

فهذا الحسن رحمه الله كان يغير الشيب، ونحن نُهينا عن نتف الشيب؛ لأن كل شعرة بيضاء تكون لصاحبها نوراً يوم القيامة إذا شاب في طاعة الله، فإذا ظهر له الشيب فإنه يفرح؛ لأنه يكون له نوراً يوم القيامة إذا شاب في طاعة الله، وهذا من مراعاة النفس؛ لأن النفس تكره الشيب، فلما نهينا عن نتفه رُخِّص لنا بصبغه وتغييره بغير الأسود.