للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاكمة للنفس في اتباع الهوى واتباع الحق]

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

عباد الله: ينبغي أن نفكر في حال أنفسنا مع الهوى، إلى أي شيءٍ نميل، هل صار ميلنا إلى طاعة الله أم إلى معصية الله؟ إذا كان الميل إلى المعاصي، فمعناه: أن النفس بحاجة إلى إصلاح.

لنفكر في حال أنفسنا مع الهوى من جهة الميل عندما نتدخل لفض نزاعٍ، أو حكمٍ بين اثنين، لو جاء إليك اثنان يختصمان أحدهما قريب والآخر بعيد فإلى من تميل؛ إلى القريب أم إلى صاحب الحق؟ لو جاءك اثنان أحدهما تحبه والآخر لا تعرفه، أو بينك وبينه نفرة بسبب دنيوي، فهل تميل مع من تحب؛ أو تميل مع من معه الحق؟ لو أن شخصاً سب النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر سب داود، وآخر سب عمر رضي الله عنه وآخر سبك وسب أباك، فمن الذي تعادي أكثر؟ وكيف ترتبهم في العداوة؟ بعض الناس يثور إذا سبه أحد، ولو سمع أن أحداً سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن كاتباً قد اتهم أو سب الدين، أو سب الرب، أو سب أولياء الله الصالحين، ربما لم يتحرك أبداً، لكن لو سبه شخصاً لثارت ثورته.

لو سمعت قول عالمين في مسألة أحدهما يقول: هي حلال، والآخر يقول: هي حرام، هل تميل نفسك إلى من يحللها، أو تميل نفسك إلى اتباع الحق والدليل مع أي واحد منهما كان؟ إذا سألت عالماً أو اطلعت على فتوى بتحريم شيءٍ، فهل ترضخ أم أنك تقول: لابد أن أسأل شخصاً آخر، وتظل تتبع المفتين لتصل إلى شخصٍ يقول: إنها حلال، ما هو الموقف؟ لو وقفنا مع أنفسنا حقاً ما هو الموقف؟ هنا يتبين -أيها الإخوة- من الذي يتبع الحق ممن يتبع الهوى، وهل يرضى عاقل لنفسه أن يشتري لذة اتباع هواه بفوات رضا رب العالمين، والحرمان من الزلفى عنده، والقرب منه، والنعيم العظيم في جواره؟ إذا كان كل منا يتجرد لله تبارك فلا يتبع الهوى فليبشر برضوان الله، وإن كان يميل إلى المعاصي والهوى؛ فليصحح نفسه قبل أن يبغته الموت فيقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون:١٠] أريد ساعة لأتصدق وأكن من الصالحين، ولكن هيهات هيهات إذا نزل الموت: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} [نوح:٤] وكما قال الرجل الصالح لنفسه: تصوري أن الموت نزل بكِ الآن، فماذا كنتِ تتمنين؟ فقالت: كنت أتمنى أن أؤخر وأن أمهل، قال: إنك الآن في المهلة فاعملي.

اللهم إنا نسألك أن تعيننا على أنفسنا، وأن تقينا شر أنفسنا، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا رب العالمين! اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك.

اللهم انصر الإسلام وأهله يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين! اللهم ارفع الضر عن المسلمين، اللهم إن في إخواننا المسلمين من البلاء ما لا يعلمه إلا أنت فاكشف عنهم الضر يا رب العالمين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم عراة فاكسهم، وإنهم حفاة فاحملهم.