للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه المماثلة مع الكلب والخنزير]

ومن الناس نفوسهم نفوس كلبية، فلو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، وحماها من سائر الكلاب ونبح في وجه كل من يدنو منها، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتةً أو مذكاة -بعض الناس لا يبالي ماذا يأكل حلالاً أو حراماً، طيباً أو خبيثاً مثل الكلب يقع على أي شيء- ولا يستحي من قبيح، فإن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن أطعمته بصبص بذنبه ودار حولك، وإن منعته هرك ونبحك.

ومن النفوس البشرية طبعها طبع الخنازير، يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيع قمه، وهكذا كثير من الناس؛ الخنزير لا يبالي بالطيبات، ولا يقع إلا على الخبائث والنجاسات والنتن، وبعض الناس يشبهون الخنزير في هذه الطبيعة، كيف يكون ذلك؟ إذا رأى منك إحساناً أو معروفاً، أو خلقاً طيباً، أو شمائل حسنة؛ فإنه يهملها بالكلية، ولا يذكرها ألبتة، بل يعرض عنها، وإذا رأى منك عيباً واحداً، أو تصرفاً خاطئاً، فإنه يقف عنده، ويظل يذكره ويجلس عليه طيلة دهره، ولو سمع منك خمسين حكمة ما حفظ منها حكمة واحدة، ولكن لو وقع على خطأ عندك فإنه لا يزال يدور حول هذا الخطأ ولا يذكر غيره، فهؤلاء طبعهم طبع الخنازير؛ فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته، فجعلها فاكهته ونقله وشغله الشاغل.