للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب المشي في السنة النبوية]

لنشرع الآن في ذكر بعض الأحاديث التي وردت في صفة مشي النبي صلى الله عليه وسلم، ورد في الصحيح -والصحيح من الأحاديث إما أن يكون في البخاري أو في مسلم أو في كليهما أو ما ورد مستكملاً لشرط الحديث الصحيح- ففي الصحيح -أي في البخاري ومسلم - من حديث أنس رضي الله عنه وهذا اللفظ لفظ مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ).

وكان صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إذا مشى لم يتلفت) رواه الحاكم رحمه الله تعالى وهو حديثٌ صحيح، صححه الألباني في صحيح الجامع، وقال المناوي في شرح الحديث: لم يلتفت لأنه كان يواصل السير ويترك التواني والتوقف.

والالتفات للحاجة لا بأس به، الإنسان يحتاج للالتفات إذا مشى من سيارةٍ أتت ونحو ذلك أو ليرى شيئاً؛ لكن ليس تلفت المتفرجين الذي يحصل من الناس اليوم وهم يسيرون في الشوارع وتقع أعينهم على ما لا يرضي الله، وكذلك التلفت يبطئ السير، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى لحاجة مشى ومضى وعزم؛ ولم يكن يتباطأ في مشيته ولم يلتفت؛ لأنه كان يواصل السير ويترك التواني والتوقف، والتلفت في المشي يسبب التواني والتوقف والتلكؤ في المشي، فإذا لم تكن حاجة للتلفت فمن الأدب ألا يتلفت الإنسان في مشيته وهو يمشي: (وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى أصحابه أمامه وترك ظهره للملائكة) والملائكة كانوا يحرسونه من أعدائه، والله سبحانه وتعالى حسبه.

(وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع) وهذا الحديث قد جاء مرسلاً فهو حديث ضعيف، وكذلك مما ورد مما لم يصح وهو مشهور عند الناس حديث الترمذي: (ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه، ولا رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تُطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث) هذا جاء في الترمذي عن أبي هريرة وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، لكن معناه موجود، أنه عليه الصلاة والسلام: (كان إذا مشى أقلع) وصححه في صحيح الجامع ومعنى أقلع: مشى بقوة، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً قوياً، أقلع: يتقلع في المشي، لا كمن يمشي على طريقة النساء، وجاء في الحديث الصحيح أيضاً: (كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنه يتوكأ) فهو إذا مشى صلى الله عليه وسلم كانت خطواته جادة، كأنما ينحدر من صبب.

وجاء عند ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي مشياً يُعرف فيه أنه ليس بعاجزٍ ولا كسلان) حديث صحيح.

وكان أشبه الناس بمشية النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة؛ فقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم أيضاً عن عائشة قالت: (كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً) فكان أشبه الناس مشياً بمشية النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها رضوان الله.