للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستعداد للموت]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الجواب

=٦٠٠٠٣٩٤> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

عباد الله: إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

إخواني: لقد ألهتنا هذه الدنيا عن الله عز وجل، لقد ألهانا ما في هذه الدنيا عن الاستعداد للدار الآخرة.

إن هذا البهرج، والزينة، وهذه الألوان والسلع، وهذه التسالي والألعاب، وهذه الأفلام والمسلسلات، وهذه الأسفار والسياحات، وهذه الملابس والصناعات قد ألهتنا عن الله تعالى، وعن الاستعداد للدار الآخرة، ولا يزال أهل الدنيا في غفلة حتى يأتيهم الموت، فإذا ماتوا انتبهوا.

عباد الله: الموت الذي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على تذكره، وأمرنا بذلك، فقال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) وامتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم تعالوا بنا نتذكر شيئاً من الأمر الذي أمرنا به صلى الله عليه وسلم وهو تذكر الموت؛ لعل الله تعالى أن ينعش قلوبنا بذكره، وأن يزيل الغفلة عن القلوب الصادئة، وأن يعود من انحراف عن الجادة، وأن يزداد الذي سلك الجادة عبادة.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:٨] نَفرُّ من الحوادث، ونفرُّ من الأمراض إلى الأطباء والمستشفيات نفرُّ من الموت والموت ملاقينا: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:١٩] إنه مجيء أكيد ولا بد، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام:٩٣].

إن هذا الموت -يا عباد الله- آتٍ لا محالة، فكيف بأمر إذا نزل قطَّع الأوصال؟! أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك إنه -حقاً- أمرٌ عظيمٌ، وخطبٌ جسيمٌ، وإن يومه لهو اليوم العظيم.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله]، وهذا الأمر قد نسيناه، دهانا مجرد ذكر الموت والحديث فيه، والكثير يغضب إذا ذكر الموت، ويقول: تنغص علينا حياتنا وعيشتنا تنغص علينا أكلنا ومعيشتنا، وذكر الموت ليس لتكدير حياة الناس وإفساد مجالسهم، ونزع السعادة منهم، وإنما هو لإصلاح حالهم، وتنوير قلوبهم، وجعلهم مستعدين للقاء الله والقدوم عليه.

قيل للحسن رحمه الله: [يا أبا سعيد! كيف نصنع؟ نجالس أقواماً يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير، فقال: والله إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمن خيرٌ من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف]، وقال رحمه الله: [كان من كان قبلكم يقربون هذا الأمر كان أحدهم يأخذ ماءً لوضوئه، ثم يتنحى لحاجته مخافة أن يأتيه أمر الله وهو على غير طهارة، فإذا فرغ من حاجته توضأ].