للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على اليهود في زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه]

هناك تحد عجيب في القرآن لليهود على قضية أفحموا منها إفحاماً عجيباً، ماذا قال اليهود؟ قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ؛ وإذا متنا فسيدخلنا الله الجنة، هذا زعم اليهود، يقولون: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُه، والجنة لنا وأنتم في النار، والذين يدخلون الجنة هم اليهود فقط، فقال تعالى رداً عليهم: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٩٤] يا يهود تمنوا الموت إن كنتم صادقين.

ثم أخبر الله عنهم بقوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة:٩٥] فهم ظلمة كفرة فجرة فسقة، كيف يتمنون الموت والحياة كل همهم وكل أملهم، وهم يعرفون أنهم بعد الموت سينتقلون إلى عذاب النار؟! وقال عنهم في سورة الجمعة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة:٦] ثم قال الله: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة:٧] ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: [لو تمنى يهود الموت لماتوا] كما جاء في الحديث الصحيح عنه رضي الله عنه، قال: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، لكنهم لا يتمنونه أبداً، وإلى الآن يزعمون أنهم أحباب الله، ولا يمكن أن يتمنوا الموت إطلاقاً.

وقال الله عنهم: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:١١١] أماني كاذبة {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١].

وهكذا استمرت الآيات في جدال هؤلاء وإفحامهم ودمغهم بالحجج البينات والرد عليهم، وفي ادعائهم أن لله ولداً وأن له صاحبة، وقام أنبياء الله يجادلون الكفار.

فهذا موسى يجادل فرعون قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:١٠٤] فماذا كان رد فرعون؟ {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف:١٠٦ - ١٠٨].

وكان المفترض في فرعون أن يستسلم، ويقول: إني اقتنعت لأني رأيت أشياء ما يقدر عليها البشر، فهي آيات من رب العالمين، لكنه ظل يجادل في الله {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:٤٩] أعاده موسى إلى حلبة الصراع {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠] لماذا لم يقل موسى: ربنا الله؟ بل قال: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؛ أي: يا فرعون أنت لا تخلق ولا تهدي المخلوقات، والله يخلق وأنت لا تخلق فكيف تكون إلهاً؟ وفرعون مرة ثانية يحول الموجة ويريد أن يخرج من المأزق، يقول: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:٥١] فما دخل القرون الأولى، نحن نناقشك حول ادعائك للألوهية أنت تقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] وتقول: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:٢٩] وتقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] فنقاشنا معك في هذه القضية فلماذا تزوغ وتروغ، وتقول: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى؟! أعاده موسى إلى الحلبة مرة أخرى، انظر سبحان الله! كيف يكون استخدام الحجج؛ الأنبياء مؤيدون من الله، فلا تضييع وقت ولا لف ولا دوران، مرة ثانية بقوة يقول موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] يقول له: أنت يا فرعون لا تعرف لكن الرب الإله يعرف من خلق ويعرف الأول والآخر والمتقدم والمتأخر كما قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر:٢٤] كلهم علمهم في كتابٍ لا يضل ربي ولا ينسى.

هكذا أفحمه ودمغه، وجحد فرعون ولم يذعن وهو مستيقن بالحق، قال تعالى حاكياً لنا ذلك عن موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:١٠٢] في البداية كان الكلام ليناً كما أمره الله هو وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:٤٤] لكن بعد ذلك لما تولى فرعون قال له موسى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:١٠٢] أي: هالكاً، وهدده بعذاب الله عز وجل.

وحكى الله لنا كيف يحيد فرعون عن النقاش: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء:١٨] ما دخل هذا في النقاش؟ النقاش الآن في الربوبية، وفرعون يعدد صنائعه مع موسى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء:١٨ - ١٩] وعملت لك جريمة وقتلت وهربت.

فرد موسى: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:٢٠] قبل أن يهديني ربي فعلتها، تلومني على شيء قبل الهداية، ثم تقول: أعطيناك ملابس وتمراً وأعطيناك أكلاً وشرباً وأعطيناك: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء:٢٢] يعني: تمنُّ علي لأنك أطعمت واحداً وكسوته، وشربت واحداً، وأذللت أمةً بأسرها؛ تقتل أبناءهم وتستحيي نساءهم وتجعلهم عبيداً وتذلهم، وتمنُّ على واحد، فهل هذه نعمة تمنها علي أن عبدت قومي كلهم وأذللتهم، أهذه مِنَّة يا فرعون؟! وهكذا لم يجد عدو الله مهرباً، والمغلوب ماله إلا استعمال البطش، وتلك حيلة العاجز، فهزم فرعون هزيمة شنيعة في المناظرة.