للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فائدة دراسة أحاديث الفتن]

إن الكلام عن بعض أحاديث الفتن قد يقول بعض الناس: ما هي فائدته؟ ولم ندرس أشياء قد لا تقع في عصرنا؟ ولم نتعرض لتفاصيل بعض الأمور التي لم تحدث في هذا العمر وهذا الزمن الذي نعيش فيه؟ فنقول: إن لهذه الأشياء فوائد، فمن ذلك أولاً: أن الإيمان بالغيب من صفات المسلم، وهذه من أمور الغيب.

ثانياً: افرض أننا مثلاً سنتعرض الآن لحديث الدجال، هب أن إنساناً قال: إنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم، ولن يظهر في هذا الزمن، فنقول: إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للأمة، وفي بيان مواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا، وفيها عبرة لنا نحن، ونحن نعيش في هذا العصر، كيف نواجه الفتن، لأن الفتن كثيرة، منها فتنة الدجال، وفتنة دجاجلة آخرين قد يظهرون في هذا الزمن، صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الأكبر، لكن في بيان الموقف من الدجال الأكبر درس لنا في كيفية الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون، ثم كيف ستتعلم الأجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال الموقف الصحيح إذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر جيلنا نحن؟ وكيف ستتربى الأجيال على الثبات أمام الدجال إذا لم نعلم نحن الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا، بحيث تنقل هذه المواقف لذاك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مثلاً؟ هذا مع العلم بأننا لا نستطيع أن نجزم (١٠٠%) أن الدجال لن يظهر في عصرنا، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل، تجعله ينظر فعلاً برهبة لمثل هذه الأحاديث التي فيها ذكر الدجال وما في معناه، أو ذكر الدجال وما حول الدجال من الفتن الأخرى، ونضرب على ذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة، فرأى غيماً في السماء، فدخل وخرج فزعاً وهو يقول: (يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب) مثلما حصل لقوم عاد مثلاً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولكن مع ذلك يدخل ويخرج خوفاً من أن يكون فيه عذاب.

مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، وقد يقول قائل: بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الساعة قرون متطاولة، وأحداث كثيرة وما حصلت بعد! فلماذا فزع؟

الجواب

لأن الفزع من مثل هذه الفتن من صفات المؤمنين والتي تدلل على خوفهم من الله عز وجل فعلاً وعلى قوة إيمانهم.

كما إن دراسة موضوع الدجال -مثلاً- يعطينا طعماً خاصاً في الدعاء الذي ندعو به في آخر صلاتنا قبل السلام، وهو التعوذ من فتنة المسيح الدجال، وإنني أقول لكم بالتأكيد: إن شعور كل واحد منا، وهو يدعو بهذا الدعاء بعد أن يمر باستعراض فتنة الدجال، لا يختلف تماماً عن شعوره وهو يتلو هذا الدعاء قبل أن يتعرف على فتنة الدجال، وذلك لأن الإنسان كلما عاين وتبصر أكثر، كلما تعلم أكثر، وكلما طعم هذه لنصوص أكثر وأكثر، كلما تبين له عظم الخطر، ودائماً الأشياء التي لم تظهر مؤشراتها بعد تكون عند الناس غريبة ومستبعدة، ويقولون لك: هذه مستحيلة، ولا يمكن أن تحصل؛ لأن مؤشراتها لم تقع، ولذلك لو أنك قلت لواحد من الناس الآن: ما هو إحساسك بالموت؟ فإذا لم يكن عنده مثلاً مرض قاتل أو كان مصاباً بحادث يشرف على الموت، أو محكوم عليه بالإعدام، أو سيدخل حرباً من الحروب، فإنه سيقول لك: لا أشعر برهبة الموت؛ لأنه ليس عنده مؤشرات، بخلاف الشخص الذي يكون على أعتاب الموت مثلاً، فإنه من إحساسه بالموت سيكون مختلف، ولذلك فإن المؤمن -الإيمان فعلاً- هو الذي يستشعر أن المسألة قريبة رغم أن مؤشراتها لم تظهر، وهو الذي يشعر أن الموت قريب مع أنه ليس لديه أي مؤشرات تنبئه بالموت.