للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد جلية من أحاديث الفتن]

ونختم كلامنا هذا بالتذكير ببعض الأمور، ألا وهي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته؛ لما يرى من نظر الرجل) انظر خاف علينا أكثر من المسيح الدجال من الشرك الخفي؛ نظراً لانتشاره وشيوعه وحصوله في كل الأزمان، أما الدجال فهو محصور في وقت معين.

وقال أيضاً: (أخوف على أمتي من الدجال الأئمة المضلون) يظهر أناس يدعون العلم أو علماء منحرفون ويفتون الأمة بفتاوي غلط، ويضللون الناس، ويقولون: اتبعوا القائد الفلاني ويمشي الناس وراء القائد الفلاني اعتماداً على فتواهم، وهكذا، هذا كله من الأشياء التي خشيها صلى الله عليه وسلم علينا، فينبغي الانتباه من الشرك الخفي، والانتباه من الأئمة المضلين، والاعتصام بالعلماء الحقيقيين المخلصين لله عز وجل، واتباع الدليل.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوءهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) فظهر أن حركة الجهاد في هذه الأمة هي حركة متتابعة، وأن أولها وآخرها متصل مع بعضها، ولا ينقطع الجهاد حتى تقاتل آخر الأمة الدجال، فأثبت أن الجهاد باقي إلى قيام الساعة.

وكذلك فإنه مما ينبغي أن نتعلمه الثبات في الفتن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (يا عباد الله فاثبتوا، إني سأصف لكم وصفاً) إلى آخر الحديث.

وكذلك فإنه ينبغي ألا نشعر بالتشاؤم وفقدان الثقة من أحاديث الفتن، لأن بعض الشباب عندما يقرأ أحاديث الفتن يقول: فقدنا الأمل وما في مجال للعمل وهكذا.

وكذلك هناك نقطة مهمة أخرى، نلحظ من حديث الدجال وغيره أن القتال في آخر الزمان في ذلك الوقت سيكون بالسلاح الأبيض، الآن موجود قنابل ورشاشات وأسلحة ومدافع وطائرات وبوارج وصواريخ فما هي مصير هذه الأشياء؟ نقول: إنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] ومادام أخبر أن القتال سيكون بالسلاح الأبيض على هذه الخيول، فلا بد أن يحدث، كيف سيحدث؟ هل ستنتهي هذه الحضارة والتكنولوجيا؟ وتقوم حرب مدمرة، وتفنى كل هذه الأشياء من المنشآت العسكرية والأسلحة إلى آخره، ويرجع الناس إلى حياتهم البدائية؟ الله أعلم كيف سيحدث.

لكن لا بد أن يحدث ذلك لأننا نحن المؤمنين نصدق أن عيسى سيقتل المسيح الدجال بالحربة، الدجال معه سيوف، وأسلحة المسلمين هي السيوف، وهم يقاتلون على خيول ولا بد أن يحدث ذلك، أما كيف ستتطور الأمور الله أعلم، ثم إن علماء الكفار يقولون: إن الحياة على وجه الأرض يمكن أن تنتهي بثلاث دقائق باستخدام هذه الأسلحة المدمرة، فإذاً عقلاً لا يستبعد انتهاء الحضارة باستخدام الأسلحة، ممكن يحصل أي شيء وتنتهي هذه الحضارة، ويرجع الناس إلى عصور بدائية، يفنى خلق كثير جداً والباقون يرجعون الحياة البدائية، وهذا ممكن عقلاً وليس هناك أي إشكال، لكن متى؟ كيف؟ هل سيحدث بهذه الطريقة أم بغيرها؟ الله أعلم.

ولذلك بعض الناس عندما يقرءون هذه الأحاديث يقولون: والله مادام القتال بالسيوف ما في داعي نعد العدة، ولا شيء، إن هؤلاء يخالفون السنن الربانية، ويخالفون مفهوم الإعداد الجهادي الذي أمر الله به، قال الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] صواريخ طائرات دبابات قنابل {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] فنحن الآن في هذا العصر، عندنا جهاد وقتال وعندنا كفار، فلا بد أن نقاتلهم بما معنا من الأسلحة، ونعد لهم ما استطعنا، فإذا جاء الوقت الذي سيكون فيه القتال بالسلاح الأبيض، سنضطر إلى استعمال السلاح الأبيض، فلا يقول قائل: ليس هناك أمل الآن في القتال مادام المسألة ستنتهي على السيوف، كلا.

لا بد من إعداد الجهاد، وهذا دين واقعي ينتشر في الأرض بطريقة واقعية، ولا بد أن ينتشر الجهاد بالسلاح الموجود، ولذلك لا بد من أخذ العدة، والتوكل على الله عز وجل.

كذلك لا بد من عدم تضخيم أحاديث الفتن، بعض الناس يضخمون أحاديث الفتن جداً يقول: خلاص ما في أمل الآن شغلتنا نجلس وننتظر المهدي والمسيح ابن مريم، فلا يوجد أمل أبداً في أن يظهر المسلمون على الكفار، والكفار أقوى منا، كلا وألف كلا، إن المسلمين إذا أعدوا العدة؛ فإن الله سينصرهم، وقد تكفل الله بنصرهم ولا بد ولا يوجد مانع أبداً أن نظهر على الكفار وأنتم ترون ما حدث على أرض أفغانستان، فلو أن هذا النموذج توسع وتوسع وشمل بلاد المسلمين، وقامت حركة الجهاد في سبيل الله؛ لطهرت الأرض من الكفار ببساطة، ولكن المسألة لا بد أن تكون شاقة، ولا يمكن أن ينصر الله الكسالى والقاعدين، ولا يمكن أن الدين ينتشر هكذا سلمياً، أي: أن المسلمين ينتصرون وهم قاعدون في بيوتهم، فلا بد من إعداد العدة، وعدم تضخيم هذه الأشياء بحيث إننا نرهب ونخاف، كلا.

بل إننا سنجري على هذه السنن الربانية والكونية، ونأخذ بالأسباب، ونعد أنفسنا، ونعد العدة لتلك الأيام التي سيكون فيها هذا الجهاد المبارك، الذي سيكون انطلاقة بإذن الله عز وجل لإقامة الخلافة في الأرض وتحكيم منهج الله سبحانه وتعالى فيها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين بالغيب، وأن يجعلنا صدقاً عند اللقاء، وأن يجعلنا من الشاكرين في البأساء والضراء وحين البأس، وأن يجعلنا من الصابرين إذا قامت المحن، ومن الثابتين إذا نزلت الفتن، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين، أقول قولي هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.