للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشروط الصحيحة]

الأول: ما يتضمنه العقد وإن لم يذكر في صلبه، فلا حاجة لذكره إذاًَ، لأنه لازم باللزوم كما ذكرنا في قضية اشتراط تسليم المرأة لزوجها، والاستمتاع بها، واشتراط النفقة والسكن على الزوج لا حاجة لاشتراطه، لأن الشريعة شرطته، ولأن الشريعة جاءت به {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:٣٤] فالنفقة عليه لزوجته رغماً عنه، تؤخذ منه بالقوة، وإذا أعسر صارت ديناً عليه، وإذا امتنع ألزمه القاضي بدفع النفقة الواجبة على الزوجة، هذا من مضمون العقد، الشريعة دلت عليه والعرف دل عليه، والعادة وعقد النكاح يتضمنه حتى لو لم ينصوا عليه.

وما يتضمنه العقد، نوعان: أحدهما: ما يتضمنه العقد بدلالة الشرع، كما تقدم.

الثاني: ما يتضمنه العقد بدلالة العرف، كالأمور التي تعارف عليها الناس من غير مخالفة للشرع، أو أضرار بحق أحد الزوجين، مثل: تحديد النفقة، والكسوة، والمسكن، وزيارة أهلها ونحو ذلك، فهذا يتضمنه العقد تلقائياً، لكن لم تحد الشريعة فيه حداً محدوداً، ولم تقل يا أيها الزوج أنفق خمسمائة، أنفق ألفاً ونحو ذلك، هذه مسألة متروكة للعرف، ومتروكة لإعسار الزوج وإيساره، وقدرته واستطاعته، وما تحتاجه الزوجة ونحو ذلك.

إذا قيل يجب على الزوج أن يسكنها شرعاً، أي: سكن يلائم مثلها بالمعروف، بما تعارف عليه الناس، فلو أسكنها سكناً ليس فيه دورة مياه ولا مطبخ مثلاً، فلا يقوم لها استمتاع بحياتها الزوجية بدون ذلك، والعرف يقتضي سكناً بمثل هذه المرافق الأساسية، فهذه اشتراطها عرفي داخل مع العقد.

أما الشروط الصحيحة التي لا تخالف مقتضى العقد، كأن لا يسافر بها، أو لا يخرجها عن بلدها، أو أن تشترط رضاع ولدها من غيره، أو أن تكمل دراستها، أو تستمر في وظيفتها ونحو ذلك، فهذه شروط مباحة، إذا التزم بها ووافق عليها، لزمه الوفاء بها، فإن امتنع كان للزوجة طلب الفسخ كما تقدم.

والشروط التي لا تخالف الشريعة هي من إنشاء العاقد لا من إنشاء الشارع، فاشتراط الرجل على امرأته في عقد الزواج مثلاً: تقسيط المهر أو تأجيله، أو أن يُجعل جزء مقدم، وجزء مؤخر، أو أن تشرط عليه أن لا ينقلها من بلدها مثلاً ونحو ذلك، فهم الذين اشترطوها، وليست مشروطة في الشرع، فهي من إنشائهم لا من إنشاء الشارع.

وإذا اشتُرط على الزوج شروطاً مثل هذه الشروط فإنه يلزمه الوفاء بها، وإذا امتنع جاز للمرأة طلب الفسخ، فإن قال الزوج: أنا لا أطيق أن تبقى موظفة، فماذا نفعل؟ لا نجبره على الوفاء، ولكن نقول: لها الحق في طلب الفسخ، إن شاءت أن تتنازل عن الشرط أو تسكت، فالعقد باق، وإن شاءت طلبت الفسخ، ولبى مطلبها، لأن شرطها لم ينفذ.

ومثل ذلك أن تختار ألا يتزوج عليها، فهذا الشرط مما اختلف فيه أهل العلم، فقال بعضهم إنه شرط فاسد، لأنها أرادت أن تمنعه مما أحله الله له، وقال بعضهم: إنه دخل عن بصيرة ورضاً بذلك فيلزمه الوفاء، فإذا تزوج عليها، كان لها طلب الفسخ، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن الرجل إذا أقدم على العقد وقبِل الشرط، فإنه عند ذلك لا بد أن يفي به، فإذا امتنع تكون النتائج على ما تقدم، وإذا حصل عيب بأحد الزوجين ولم يرض صاحبه، وهذا العيب يفوت الاستمتاع، كأن كانت المرأة بها جنون أو برص ونحو ذلك، أو كان الرجل مجبوباً أو عنيناً -مقطوع المذاكير- أو لا قدرة له على الوقاع، فهذا العيب ينطبق عليه خيار الفسخ من الطرف الآخر.