للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور ليست من الرجولة]

الحمد لله رب العالمين، الذي لا إله إلا هو، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة: لقد فقدت الرجولة اليوم كثيراً من معانيها الحقيقية، فترى الناس اليوم يزعمون أنهم رجال، يقوم كل واحد منهم فيقول: أنا رجل، ولكن في الحقيقة: ماذا تنطوي عليه هذه الرجولة؟ ما هو مضمونها؟ أيها الإخوة: مِن الناس اليوم مَن يظن أن الرجولة عبارة عن فتل الشوارب، وتربية هذه الشنبات وإطالتها، يظن أن هذه هي الرجولة، وهو مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً.

مِن الناس -أيها الإخوة- مَن يظن الرجولة اليوم هي الأخذ بالثارات وقتل الأبرياء، وتراه يقول: هؤلاء ليسوا رجالاً، ما أخذوا بثأرهم، وهؤلاء رجال أخذوا بثأرهم فقتلوا فلاناً، ولو كان ليس له ذنب.

مِن الناس مَن يظن اليوم أن ارتكاب المحرمات هي الرجولة، فترى بعض الأحداث اليوم لكي يبرهنوا لأنفسهم وللناس أنهم رجال، يقعد أحدهم ويدخن -مثلاً- ويزعم أن التدخين رجولة، ويسافر لوحده إلى الخارج، ويعبث بالمحرمات، وينتهك حدود الله عز وجل، ويزعم أن هذه هي الرجولة.

مِن الناس مَن يظن أن الرجولة رفع الصوت أو الصياح في البيت، وفرض الرأي بقوة العضلات والبطش وغير ذلك؛ يظنون أن هذه هي الرجولة.

يظن أحدهم أن الرجولة أن ينفخ على الخدم والموظفين، ويطرد من يشاء، ويُبقي من يشاء؛ يظن أن هذه هي الرجولة.

كلا أيها الإخوة! ليست الرجولة ارتكاباً للمحرمات، ولم تكن الرجولة يوماً من الأيام في تاريخ الإسلام البطش والاعتداء على الأبرياء، كلا.

أيها الإخوة: إن الرجولة لها معانٍ سامية، وحقائق علوية، تأخذ هذا الصنف من الناس فترفعهم.

إن حاجة الإسلام اليوم إلى الرجال عظيمة، الإسلام اليوم تنتهك حرماته في شتى أقطار الأرض، لم تعد تقم للإسلام قائمة في وسط هذه الدياجير المظلمة من الشرك والجاهلية، إلا من رحم الله عز وجل من أفراد تلك الطائفة المنصورة، التي استقامت على شرع الله عز وجل.

أيها الإخوة: يقال: أنه اجتمع مرة نفر من الصحابة، فقال لهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [تمنوا، فتمنى كل واحد منهم شيئاً من أعمال البر، فلما انتهوا قال عمر: أنتم تمنيتم، ولكني أتمنى ملء هذه الحجرة رجالاً أمثال أبي عبيدة]؛ لأن الرجال -أيها الإخوة- يصنعون كل شيء بإذن الله، الرجال يصنعون ويسيرون على منهج الله يطبقونه في الواقع، وإذا وجد عندك الرجال لم تعد تحتاج بعدها إلى شيء.

ولكن أي نوع من أنواع الرجال؟ هل هم أصحاب الشوارب والشنبات؟ كلا أيها الإخوة! الرجال بهذه الصفات التي ذكرناها آنفاً: - عبادة.

- عمل.

- استقامة.

- دعوة إلى الله.

- صبر على الأذى في سبيل الله.

- إعانة الرسل ودعوتهم ونصرتُهم.

- والقيام في مواطن الفتن.

- وتثبيت الناس على الإسلام.

الرجولة ليست سناً، بقدر ما هي صفات وشمائل وسجايا ذكرها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ماذا نفعت الرجولة أولئك الناس الذين قال الله عنهم في القرآن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:٦]؟! ماذا نفعتهم رجولتهم وقد وقعوا في الشرك؟! لا شيء أيها الإخوة.

الإسلام اليوم ينادي أصحابه وأتباعه، يقول لهم ويهتف بهم كما هتف لوط بقومه: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨] الإسلام اليوم يهتف بالناس: أليس منكم رجل رشيد؟! رجلٌ رشيدٌ، رشده يقيم شرع الله عز وجل في نفسه وبيته ومجتمعه، يدعو إلى الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أليس منكم رجل رشيد؟! اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على دينك.

اللهم واجعلنا رجالاً من أهل الحق وأعوانه، اللهم واجعلنا من جندك وأتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

اللهم يا سامع الصوت! أجب دعاءنا، واحفظنا في أنفسنا وأهلينا، اللهم واحفظ بلادنا من كل سوء.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والشرك والزيغ والبدعة والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إنك تعلم ما نخفي وما نعلن، ولا يخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء، اللهم أصلح ظواهرنا وبواطننا، اللهم واجعل نياتنا خالصة لك يا رب العالمين! اللهم وصلِّ على نبيك محمد، سيد الأولين والآخرين، وسلِّم تسليماً كثيراً.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.