للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخلط بين العربية وغيرها]

هذا بيانٌ لما يقع فيه كثيرٌ من الناس اليوم من الكلام في مدارسهم ومكاتبهم وبيوتهم من لغة الأعاجم، والذين يتباهون بها، والذين يظنون أنهم يكونون في تقدم وحضارة إذا تكلموا بها، ثم إن المؤسف أن تجد هؤلاء يخلطون اللغة العربية باللغة الأعجمية خلطاً مقرفاً مقززاً مشوهاً للغة العربية، وقد يقول بعض الناس: إنها تصدر بغير قصد بعض الكلمات، قال شيخ الإسلام رحمه الله: جاء عن بعض السلف أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة -أي: كلمات قليلة قد تدخل في عرض الكلام- من الأعجمية.

فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية، ليس المقصود بها كلمة عربية وكلمة أعجمية، كلا! إنما المقصود: كلمات نادرة تأتي في عرض الحديث، قال شيخ الإسلام: فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجمياً، فيضطرون للإتيان ببعض الكلمات ليفهم، أو قد اعتاد الأعجمية فيريدون تقريب الأفهام إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص، وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر بها أبوها، فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصةً -أي: فستاناً قصيراً- وقال: (يا أم خالد هذا سنا).

وسنا بلغة الحبشة: الحسن الجميل.

ثم قال رحمه الله: وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام، ولغة القرآن؛ حتى يصير ذلك عادةً للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروهٌ؛ فإنه من التشبه بالأعاجم، وقد نهينا عن التشبه بالكفرة (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم).

قال رحمه الله: ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية، والمغرب ولغة أهلها بربرية؛ عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم -حتى الكافر- في البلاد التي فتحها المسلمون عودوهم العربية لتكون معبراً وقناةً تدخل من خلالها الدعوة، ومنفذاً إلى القرآن والسنة، وبدون لغة لا يوجد فهم.

وانظر الآن إلى حال المسلمين، فإنهم يفتحون الكتاب العزيز وكثيراً من الكلمات لا يفهمونها فضلاً عن الأحاديث، ولا مراد الله بها، ولا المقصود منها، ولا الأحكام التي تضمنتها، ما هو السبب؟ عدم فقه اللغة، وعدم معرفة معانيها، فإن ضعف اللغة العربية أثرّ تأثيراً مباشراً وواضحاً في فهم الكتاب والسنة.

ثم يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم -أي: المسلمون المتأخرون الذين جاءوا من بعد- تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورةً عند كثيرٍ منهم، ولا ريب أن هذا مكروهٌ، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية.

كيف نعالج هذه القضية؟ كيف نوجد الحل؟ قال: اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب -أي: مدارس الصبيان- في المكاتب، وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله.

الآن بالعكس تماماً، تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال في الروضة، ومخاصمة القائمين على المدارس: لماذا لا تزيدون حصص اللغة الإنجليزية؟ وبعض الآباء يتعمدون اليوم الخطاب مع أبنائهم بلغة الكفرة داخل بيوتهم، وفي السيارة، وفي الطريق، يقولون: ليتعلم الولد اللغة مبكراً، ويضرون لغته الأصلية، ويضرون فهمه وعقله بازدواجية في اللغة، وقد أكد علماء التربية حتى من غير المسلمين على أنها ضارة، ونصوا في دول الكفر على عدم السماح بتعلم الولد في المرحلة المبكرة في سن الطفولة لغةً أخرى غير اللغة القومية، ولا يمكن أن تجد في فرنسا مثلاً روضة أطفال يتعلم مع الفرنسية اللغة العربية، أو لغة أجنبية؛ لأن قانون حماية الثقافة الفرنسية والإنجليزية وغيرها لا يمكن أن يسمح بتعلم لغةٍ أخرى، ونحن نرحب ونسهل ونهلل بأولادنا إذا نطقوا باللغة الإنجليزية، وترى كلمات التشجيع تنطلق مادحةً للولد إذا رطن بالأعجمية، وبعض أولاد المبتعثين إلى الخارج رجعوا الآن ولا يفقهون اللغة العربية، وصرت تحتاج أن تترجم لولد عربي ابن عربي اللغة العربية.

وهذا من فتح الطريق لاقتباس ثقافات القوم الكفرة، وعادات القوم الكفرة، وفهم أغاني الكفرة، وغير ذلك من أفلام الكفرة، ومجلات الكفرة، وكتب الكفرة؛ لأن الأولاد صاروا يحسنون اللغة الإنجليزية، فلم نستفد الفائدة الصحيحة، ولم نعلم الأولاد اللغة الإنجليزية في السن الصحيح، ولا بالكيفية الصحيحة، ولا ليستفيدوا المعارف التي يحتاجها المسلمون، وإنما فتحنا الباب على مصراعيه، فصرنا نتباهى بأن الطفل يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ثم يتعتع في اللغة العربية ولا يحسنها ولا يحسن الكلام بها.

قال رحمه الله في علاج المشكلة العظيمة: وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة، وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب.

ثم قال -رحمه الله- مبيناً أثر اللغة على الدين والخلق والعقل: واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، إذا كانوا يتعلمون العربية يتشبهون بالصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، ولذلك ترى كثيراً من الذين يجيدون الإنجليزية يتكلمون بها دائماً قد أثرت في عقولهم، وقد أثرت في أخلاقهم، بل إنك ترى بعض العرب الذين يدرسون في الخارج إذا أرادوا أن يتحدثوا عن موضوعٍ خسيس، أو كلامٍ فاحشٍ، قلبوا إلى اللغة الإنجليزية.

أيها الإخوة: والعلاج أنه لا بد من اعتياد الكلام باللغة العربية الفصحى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أوفياء للإسلام، وأن يجعلنا ممن قاموا بحدود الله تعالى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.