للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام السلف بالعربية]

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أشهد أنه الله الحي القيوم ذو الجلال والإكرام، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: لقد كانت تربية السلف لأولادهم على النطق باللغة العربية وإتقانها أمراً عجيباً، وذلك لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الولد لن يفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا إذا أجاد اللغة العربية، وكانوا يحاربون اللحن والخطأ في اللغة جداً، وكان أمرهم شديداً في هذه المسألة، فقد قرأ بعضهم يوماً قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] العلماءُ فاعل، فهم الذين يخشون الله، فقرأها: إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ، فقال له قائل: كفرت، أتنطق بالكفر؟ جعلت الله يخشى العلماء! وسمع أعرابي -وكانوا من أهل اللغة- قارئاً يقرأ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:٣] قال: ورسولِه، فقال: معاذ الله أن يتبرأ الله من رسوله وذلك لأنه جرَّ كلمة "ورسوله" فصارت معطوفة على المشركين، ومعاذ الله أن يتبرأ من رسوله.

ومرَّ أحدهم على قارئٍ يقرأ قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة:٢٢١] لا تُنكح أي: لا تزوج مشركاً حتى يسلم، فلا يجوز أن تجعل مسلمة تحت يهودي، أو نصراني، أو كافر، فمن جهل القارئ قرأ: ولا تَنكحوا المشركين بفتح التاء، فقال: والله لن نَنْكِحَهم حتى ولو آمنوا، كيف ينكح الذكرُ الذكرَ؟ فانظر إلى شناعة التغيُّر الذي يحدث بتغيُّر ضمة، أو فتحة، أو كسرة.

وكان الوليد يخطب العيد، فقرأ: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٧] وهذه جملة تامة، كان واسمها وخبرها، فقرأها كانت القاضيةُ، فصارت جملة ناقصة، لأن القاضيةُ اسم كان، وماذا بعدها؟ على من القاضية؟ فقال عمر بن عبد العزيز: عليك فتريحنا منك.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي ونصلح الألسنة المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو ترك الناس على لحنهم، لكان نقصاً وعيباً.

ويعجبني زيُّ الفتى وجمالهُ ويسقط من عيني ساعة يلحن

ورأى أبو الأسود الدؤلي رحمه الله أحمال بضائع التجار مكتوب عليها: لأبو فلان، واللام حرف جر، والصحيح: لأبي فلان، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون.

أيها الإخوة: كان الأمر عندهم مهماً، أما الأمر عندنا اليوم فغير مهم، لو قال أحد في مجلس ( I is ) لنظر إليه شزراً من الحاضرين كيف يخطئ في الكلمة؟ يا متخلف، يا جاهل، لكن لو أخطأ في آية أو حديث، ونصب مرفوعاً، وجر منصوباً، وغيَّر المعاني، فمن ذا الذي ينكر عليه في المجلس؟ ولا زالت قضية اللغة العربية مفتوحة، والكلام فيها آتٍ إن شاء الله؛ لأن القضية خطيرة -أيها الإخوة- أن تفقد الأمة مميزاً وخصيصةً من خصائصها تحت مطارق الهزيمة النفسية، والتخلف الذي نعيش فيه، ولعلنا نتم الكلام على هذا الموضوع بإذن الله تعالى.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من المتفقهين في الدين، العاملين بسنة سيد المرسلين، وأن يرزقنا النصر على الأعداء، اللهم إنا نسألك أن ترفع شأن هذه الأمة وأن تنصرها على أعدائها، وأن تحرر ما سلب من أراضيها، وأن تعيدها إلى كتاب ربها وتحكيم شريعتها يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.