للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زيد بن ثابت يتعلم السريانية لخدمة دين الله]

النبي عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى تعلم السريانية من بعض أصحابه ليقرءوا له خطابات اليهود، ويريد أن يكتب خطابات إلى اليهود، ولا يأمنهم على كتابه، فيطلب من زيد رضي الله تعالى عنه أن يتعلم له لغة جديدة، فتعلمها زيد بن ثابت في كم يوم؟ في سبعة عشر يوماً، رواه أحمد رحمه الله، قال: [تعلمتها له، فلما تعلمتها كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابه] قال الترمذي: حديث حسن صحيح، حذق في سبعة عشر يوماً لغة جديدة لنصرة الدين ولإعلاء كلمة الله.

الآن الإخوان الذين يعرفون اللغة الإنجليزية، يا ترى هل فكروا في الدعوة إلى الله في وسط الأقوام الذين يتكلمون بهذه اللغة؟ الذين عندهم أي نوع من أنواع الخبرات في الكمبيوتر أو غيره، الذين عندهم خطابة، الذين عندهم حسن خط، الذين عندهم قدرات إنشائية في الكتابة، والذين عندهم قدرات مالية، والذين عندهم خبرات إدارية، هؤلاء ماذا قدموا لهذا الدين؟ لقد كان الصحابة طاقات تفجر ينابيع لخدمة الدين، هذا ما يجب أن نستفيد منهم.

كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع النصوص كان الواحد منهم إذا سمع كلاماً طيباً يتمنى أن يكون صاحبه، فـ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه لما سمع حديث: (للعبد المملوك المصلح أجران) قال: [والذي نفس أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك] متفق عليه.

لأجل ما سمع الأجر يتمنى أنه عبد مملوك لينطبق عليه الحديث.

والصحابي الجليل عمير بن الحمام الأنصاري لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) هي كلمة واحدة تفاعلت مع الصحابي، فألقى التمرات، وترك الحياة، وذهب ليقاتل حتى قتل.

والحديث في صحيح مسلم.

وأبو طلحة يسمع: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] فكان أحب ماله إليه بستان فتصدق به مباشرة في سبيل الله، وهو أنفس أمواله، لو أن أحداً عنده مزرعة، وقصر منيف، يسمع الآية هل يتصدق بهما مباشرة في سبيل الله؟ هؤلاء الصحابة.

يقول عوف بن مالك: (قام النبي عليه الصلاة والسلام على جنازة فسمعته يدعو للميت يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار، قال عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) لأجل هذا الدعاء وهو يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يستجاب له، والحديث في صحيح مسلم.

كان الصحابة يبادرون ليس في الواجبات والفروض فقط، بل في المستحبات كانوا ينطلقون، يسمع عبد الله بن عمر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) فما ترك قيام الليل بعدها.

وعمر بن أبي سلمة لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك) كان يقول بعدها: [ما زالت تلك طعمتي بعد] وآخر لما سب وعاتبه النبي عليه الصلاة والسلام: [ما ساببت بعده أحداً] وهكذا، شعورهم مشاركة، تفاعل بالمشاعر وليس فقط بالمجهودات العضلية.