للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخلق والدين]

فإذاً -أيها الإخوة- لابد من التركيز على هذا الموضوع؛ لأنه -كما قلنا- من أهم عوامل النجاح؛ فإن كثيراً من الناس لا ينظرون إلى معتقدك ولا إلى عبادتك، وإنما ينظرون إلى خلقك أولاً، فإذا أعجبهم أخذوا عنك العقيدة والأخلاق والعبادة والعلم، وإذا لم يعجبهم تركوك وما أنت عليه من العلم، فإذاً لابد من الخلق، ويكفينا أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] قال ابن عباس ومجاهد: لعلى دينٍ عظيم وهو دين الإسلام.

فالخلق أطلق على الدين كله، وهو ما كان يأمر به صلى الله عليه وسلم من أمر الله وينهى عنه من نهي الله، والمعنى: إنك لعلى الخلق الذي آثرك الله به في القرآن.

ولذلك جاء في الصحيحين: أن سعد بن هشام سأل عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: [كان خلقه القرآن] فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئاً.

أي: لقد كفتني هذه العبارة البليغة الموجزة، حتى هممت أن أقوم ولا أسألها شيئاً.

وأصول الأخلاق مجموعة في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] فليس هناك في القرآن أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية، فهي أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فهذه الآية أرشدت النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، ويقبل الاعتذار، ويعفو ويتساهل مع الناس، ويترك الاستقصاء والبحث والتفتيش عن أحوالهم، وكذلك يأخذ ما عفا من أموالهم وهو الفاضل، مثل قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة:٢١٩] قال الله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] أي: إذا سفه عليك الجاهل فلا تخاطبه بالسفه، كما قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣].

وقال أنس رضي الله عنه: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وقال: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أفٍ، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟] متفق عليه.

والبر: حسن الخلق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وفسر حسن الخلق بأنه البر؛ فدل على أن حسن الخلق طمأنينة النفس والقلب.