للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفكر في حال السلف وموقفهم من الرئاسة]

وكذلك من علاج حب الرئاسة في النفس ومطاردة هذا النازع الموجود: التفكر في حال السلف في قضية موقفهم من الإمارة والرئاسة، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: (كان سعد في إبلٍ له وغنم -ترك البلد جلس في الإبل والغنم- فأتاه ابنه عمر بن سعد، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما انتهى إليه فإذا هو ابنه عمر، قال: يا أبتي! أرضيتَ أن تكون أعرابياً في إبلك وغنمك والناس يتنازعون في الملك؟!) -أنت تخرج خارج المدينة بالإبل والغنم والناس يتنازعون في الملك وأنت من الصحابة السابقين الأولين، فـ سعد بن أبي وقاص! ما خرج رغبة في الدنيا والترويح عن النفس والغنم والإبل، لا.

لكنه هجر الفتنة، وترك هذا التنازع- (قال: فضرب سعدٌ صدر عمر وقال: اسكت يا بني فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) غني النفس، تقي في نفسه، خفي يخفي عمله ولا يطلب رئاسات ومناصب، يكفيه ما هو فيه من شئون نفسه.

وكذلك حال الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، كيف كانوا يقولون، وعمر بن عبد العزيز بكى عدة مرات على المنبر، ويقول: يا أيها الناس: أنا أخلع نفسي ولا ألزم أحداً بطاعة، والناس هم الذين يصرون عليه ويقولون: بلى.

أنتَ وتبقى، ويؤكدون له العهد، كذلك العلماء لما تهربوا من القضاء، القضاء مسئولية خطيرة جداً (قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار) كيف كان هروب العلماء من القضاء؟ القضاء منصب ومسئولية وسلطة، وكان القاضي من أعظم الناس في زمانه، وكلمته لا تنزل إلى الأرض؛ فقد كانت مسموعة، وكانوا يهربون ويضربون عن القضاء ولا يتولونه ويسجنون ولا يتولونه، يرغمون يدفعون ويأبون، وكانوا يهربون من منصب الفتوى، مع أنهم أهل، لكن الواحد يرد الفتوى إلى الآخر، يقول: اذهب فاسأل فلاناً؟ لا يريد أن يتبوأ منصباً ويتصدر في الفتوى، لا يتصدر الفتوى بل يحيلها على غيره، وكانت الفتوى تذهب تدور على نفر وترجع إلى الأول كل واحد يرحلها إلى صاحبه، فهربوا من المسئوليات والقضاء والمناصب والفتوى هربوا يريدون النجاة لأنفسهم، لا يريدون تبعات، لم يكن قصدهم التهرب من المسئولية، وإنما كان الابتعاد عن النار.