للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة في طلب المنصب]

وهنا شبهة أو قضية يمكن أن تثار، في المجتمع الإسلامي الصحيح، لو قال أحد: إن الناس كثروا والمجتمع اتسع، ولا أحد يعرف بالضبط طاقات الموجودين، فلابد أن يعلن كل إنسان عن نفسه، وأن يقول: أنا عندي كذا وأنا مستعد أن أتحمل كذا، لأن الناس كثيرون مختلطون، فكيف تكون طبيعة التولية في المجتمع الإسلامي؟ في المجتمع الإسلامي الصحيح لا يحتاج الناس إلى تزكية أنفسهم -لا حظ معي- في المجتمع الإسلامي الصحيح، لا يحتاج الناس إلى تزكية أنفسهم، وعمل الدعايات لأشخاصهم ليختاروا للمناصب والوظائف.

أولاً: لأن أصحاب الفضل والأحقية معروفون عند الناس، والمجتمع يعلم عملهم وإخلاصهم، والمجتمع الإسلامي الصحيح يبرز بمسيرته الصحيحة الطاقات المخلصة، لكن عندما تكون هناك انحرافات في المجتمع يظلم الذكي وصاحب الطاقة وصاحب القدرة يظلم ويغمط حقه، ولذلك يقع هناك ظلمٌ كثير في تولي المسئوليات، وأما في المجتمع الإسلامي الصحيح فصاحب العلم معروف وصاحب العطاء معروف وصاحب الفضل معروف، فالمجتمع صحي فهو يبرز بطبيعته دون تكلف ودون تزكيات ودون دعايات يبرز أصحاب الطاقات المخلصة، تصور جيشاً إسلامياً من جيوش الفتح الإسلامي، قائده مخلص وجنوده مخلصون خلال القتال وخلال الحركة يتبين صاحب القدرة الذي يسد الثغرة وصاحب الطرح الوجيه وصاحب الخبرة، يتبين الجريء والفعال.

فحركة المجتمع الإسلامي الصحيح تفرز وتبرز الطاقات فلا تحتاج المسألة إلى تزكيات ولا إلى دعايات، وكذلك في المجتمع الإسلامي الصحيح المناصب والوظائف تكليفٌ ثقيل لا يغري أحداً من الذين يخافون الله بالتزاحم عليه، وفي المجتمع الإسلامي الأول تميز السابقون من المهاجرين ثم الأنصار، وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان ومن أنفق قبل الفتح وقاتل، حصلت فيهم وأبرزت الطاقات، فظهر هذا للأذان، وهذا لقيادة الجيش، وهذا للفتوى، وهذا للقضاء، وهذا للإقراء، وهذا للإمامة وهذا للإمارة، أفرز المجتمع أصحاب الطاقات، ولذلك ينبغي السعي إلى إقامة المجتمع الإسلامي للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر الخير في الناس وتربية الناس عليه حتى يتم التخلص من كل هذه السلبيات والمعوقات والظلم الذي يمنع من ظهور أصحاب الطاقات.

هذا المجتمع الإسلامي الصحيح لا يبخس الناس بعضهم بعضاً، ولا ينكر الناس فضائل المتميزين وعندئذٍ تنتفي الحاجة إلى أن يزكي المتميزون أنفسهم ويطلبوا مراكز التوجيه والقيادة، ومهما كبر المجتمع المسلم واتسع، فإن أهل كل محلة متعارفون متواصلون يعرفون بأصحاب الكفايات والمواهب فيهم، كل دائرة، كل حارة، كل منطقة، كل مدرسة معروف صاحب الطاقة، صاحب القدرة على تحمل المسئولية، مهما كان المجتمع كبيراً، لكن المجتمع يتقسم مؤسسات وشركات ودوائر ومدارس ومجامع فإذا كان كل مجمعٍ فيها يسوده الشرع، أفرز وأبرز كل مجمع ٍفيها من هو قادرٌ ومن هو صاحب الموهبة والطاقة لتحمل المسئولية، فيوضع الرجل الصحيح في المكان الصحيح.

ينبغي لأهل الحل والعقد في المجتمع الإسلامي أن يكونوا متجردين لله من كل الانحرافات والأهواء عند ترشيح أحدٍ لمنصب من المناصب، ولو حصل اختلافٌ في الرأي في ترشيح شخصٍ، فينبغي سرعة الأوبة، لأننا نحتاج إلى الوحدة، ونحتاج إلى التكاتف والتعاون، كما جاء في صحيح البخاري في توضيح هذا المفهوم في هذه القصة: (قدم ركبٌ من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر لـ عمر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:١]).

الخلاف حصل بين أعظم رجلين بعد النبي عليه الصلاة والسلام، الخلاف يمكن أن يحصل لكن كانوا يسرعون الأوبة، الفرق بيننا وبين الصحابة من الفروق العظيمة، ليس أنهم لا يخطئون ونحن نخطئ، لا.

يمكن أن يخطئوا لكن سرعان ما يتدارك الخطأ ويرجع كل واحدٍ منهما يفيء إلى الحق ويرجع إليه.