للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وضوح المنهج في الدعوة إلى الله عز وجل]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كنا قد بدأنا -أيها الإخوة- في المرة الماضية بحديث أصحاب الأخدود وقصة ذلك الغلام المؤمن الذي سخره الله عز وجل فجعله سبباً لهداية الناس، ونحن نتابع -أيها الإخوة- معكم في هذه الليلة إن شاء الله هذه القصة وما نستطيع أن نعرج عليه من فوائد وعظات وحكم تؤخذ من هذه القصة العظيمة، وهذه السيرة الفذة لتلكم الأمة التي أراد الله عز وجل لها أن تهتدي إلى دين الله تعالى.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأتى الملك) وهذا الذي أتى هو الأعمى، وقد سبق أن ذكرنا مختصر القصة أن ملكاً كان في بلد، وكان له ساحر، فأراد الساحر غلاماً يعلمه السحر، فانتقى له غلاماً ذكياً فصار يعلمه، وكان راهب على طريق الغلام، فتعلم منه الإسلام ثم إن الله أجرى على يد الغلام معجزات منها: قتل الدابة وشفاء المرضى بإذن الله عز وجل حتى سمع به جليسٌ للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة، فعرض الغلام عليه الإسلام فأسلم هذا الرجل الجليس، ثم إن الله رد عليه بصره (فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟) استغرب الملك من هذا الأعمى الذي كان بالأمس لا يبصر واليوم يأتي ويجلس في المجلس يفتح ويرى: (فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي) يقول الجليس: ربي، وانظروا -أيها الإخوة- إلى هذا الوضوح في هذه الكلمة، قال: ربي، الوضوح هنا في الإجابة هو نتيجة طبيعية للوضوح في التلقي، لما كان تلقي هذا الجليس واضحاً بأن الله عز وجل هو الذي يشفي وهو الخالق، فكانت إجابته واضحة في سؤال الملك الذي قال له: (من رد عليك بصرك؟! قال: ربي) فإذاً أيها الإخوة ينبغي أن يكون تلقينا للإسلام فيه وضوح يجب أن تكون الفكرة واضحة، يجب أن يكون المنهج الذي يتربى عليه المسلمون واضحاً حتى تكون الإجابات على الشبهات والتساؤلات التي تطرح إجابات واضحة، أما إذا كان هناك غبش في الإسلام الذي يدرس طبعاً في طريقة عرض الإسلام، فإنه لن تكون هناك إجابات واضحة عن الشبهات والتساؤلات التي تطرح من قبل أعداء الإسلام (قال: ربي، قال: ولك ربٌ غيري؟!) هذا الملك الكافر الطاغية كان مستبداً، كان مدعياً الألوهية، فيقول بكل تبجح ووقاحة يقول: (ولك ربٌ غيري؟! قال الجليس: ربي وربك الله) وهذه النفسية -أيها الإخوة- التي تصل إلى حد ادعاء الألوهية من دون الله عز وجل ينبغي أن يتوقف عندها أهل الحق ليروا طبيعة هذه النفسية المماثلة لنفسية فرعون لعنه الله الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] نفس المنطق، وهذا هنا يقول: (ولك ربٌ غيري؟!) نفس المنطق ادعاء الألوهية وفي رواية الإمام أحمد بسياق مشابه، لكن في تفصيل أكثر لهذه النفسية يقول: (من رد عليك بصرك؟! قال: ربي، قال: أنا؟! قال: لا، قال: ولك ربٌ غيري؟! قال: نعم) انظر كيف يقول هذا: أنا؟! فيقول له: لا.

ربي وربك الله، فإذاً قد يصل الكفر في مرحلة من مراحله لدرجة أن يدعي أناسٌ الألوهية من دون الله، وقد يكون هذا الادعاء قولاً ولفظاً مثلما قال هذا، وقد يكون حكماً وواقعاً، فإذا كان هناك أناس يشرعون للناس من دون الله عز وجل، فهذا ادعاءٌ للألوهية من دون الله تعالى بالفعل، قد لا يكون واضحاً بالقول، ولكنه على أية حال منازعة لله عز وجل في حقٍ عظيمٍ من حقوق الألوهية، وهو التشريع.

(فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام) أُخذ هذا الجليس، فصُب عليه العذاب حتى دل على الغلام (فجيء بالغلام) وهنا هذا الطاغية لم يقتل الجليس مباشرةً، هو ينوي قتله كما سنرى، لكن ما قتله مباشرة؛ لأنه أراد أن يعرف من وراءه، ومن أين أتى بهذا الكلام استقصاء لكل من يحمل العقيدة الصحيحة.

(فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟!).