للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطغاة يستميلون أهل الحق إما بالترغيب أو الترهيب]

انظر إلى هذه العبارة العجيبة أولاً: استهلت بكلمة عاطفية، (أي بني)، يريد هذا الطاغية أن يستجلب الغلام ويستميله، فيأتي له بهذه العبارة أو بهذه الكلمة التي فيها نوع من العطف -أي بني- وهذا ليس أبوه، لا أبوة نسب، ولا أبوة تربية أو تعليم، فهذه الألفاظ المعسولة التي تستخدم في استمالة أهل الحق لعلهم يرجعون عن حقهم، (أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل).

فإذاً هنا هذا الطاغية ينسب إبراء الأكمة والأبرص إلى السحر لماذا؟ لأنه يريد أن يُعمي الحقائق ويُضيع هذه المبادئ التي استقرت في نفس الغلام، يريد أن يحرف الطريق ويقول للغلام: إن هذا الإبراء الذي أنت تفعله ليس من عند الله، وإنما هو بسبب السحر، يقول: بلغ من سحرك أنك تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، إلى هذه الدرجة وصل بك السحر، أي: كأنه من باب الإعجاب، ولكن أهل الباطل دائماً يريدون أن يفسروا الحق بأي شيء باطل دون الحق.

ولذلك بماذا فسر أنصار قريش القرآن؟ القرآن المعجز الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بماذا فسروه؟ قالوا: ساحر، كاهن، شاعر، مجنون، أي سبب، المهم إلا أن يكون القرآن من عند الله، فهم دائماً يريدون أن يفسروا الحق ويعزوا الحق إلى أي شيء آخر، إلا المصدر الصحيح للحق.

وكأن هذا الرجل يريد أن يقول لهذا الغلام: إن عندك قدرة ذاتية تشفي بها المرض، يريد أن يثير في نفس الغلام نوعاً من التكبر والغطرسة، ويصرف هذا الغلام عن السبب الحقيقي في الشفاء، لكن أنى له ذلك، وقد استقر في نفس الغلام أن الشفاء من عند الله، قال: فقال: (إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله).

هنا يأتي الرد من الغلام على هذه الشبهة والفرية، فالغلام ما سكت، بل قال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله، فرد الشفاء إلى الشافي وهو الله عز وجل، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت) وفي رواية: (لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر بلاءً ولا سقماً) هذا الدعاء الذي يدعى به للمريض، يدعى به لمن كان به مرض.

فإذاً: الشافي هو الله عز وجل: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] ولقد كان هذا الغلام -أيها الإخوة! - له أفعال كثيرة، وجهود كبيرة حتى إن هذا الملك سمع بها، فقال: تفعل وتفعل، أي: تفعل هذه الأشياء، فقد كان يسمع عن أخبار هذا الغلام، (إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب).