للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أسباب الورع]

ومن أسباب الورع أيضاً: التفكر في الحساب، وعذاب القبر، وهوان الدنيا، والقناعة وهكذا إلخ، ولو قال الإنسان: كيف أزيد درجة الورع في نفسي؟ فنقول: من الأسباب أن تتأمل في قصص السلف الذين كانوا يتورعون، وخذ مثالاً: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، إذ جاءه مرة خادمه بطعام فأكله، فلما فرغ من الطعام، قال الخادم: أتدري من أي شيء اشتريت هذا الطعام؟ فقال: لا، قال: إني كنت تكهنت لأناس في الجاهلية وأنا لا أحسن الكهانة، فأعطوني مالاً فاشتريت به طعاماً وأعطيته لك، فالآن هذا المال عند الخادم محرم من وجهين: الأول: أنه أجرة على عمل محرم، وهو الكهانة.

ثانياً: أنه أخذه بطريق المخادعة والخداع، قال: إني تكهنت لأناس في الجاهلية وأنا لا أحسن الكهانة، أي: من باب الكهانة، أخذ المال وخدعهم أيضاً.

ولذلك فإن هذا العمل من الخادم في شراء الطعام بالمال المحرم، قد يقول الإنسان: ما دخل السيد فيه؟ الخادم أخذ مالاً حراماً ثم وهبه إياه فجاء إلى أبي بكر بطريق هبة، ولكن ما كان لـ أبي بكر أن يسكت عن ذلك أبداً، فماذا فعل؟ -هذا الحديث في الصحيح-[وضع إصبعه في فيه حتى استقاء كل ما في بطنه رضي الله عنه]؛ لأن هذا الطعام يرى أن مصدره من مال محرم (وأن كل لحم نبت من سحت؛ فالنار أولى به) وأن الجسد يتغذى على هذا الطعام، فإذا كان الطعام محرماً، صار الجسد متعفناً بهذا الحرام، وهذا يؤثر على عبادة الإنسان، وعلى تفكيره، وعلى قلبه، وعلى صلاح نفسه، وعلى نيته، وهكذا.

فإذا كان سلفنا يُخرجون الحرام من بطونهم على الشبهة، يخرجونه بعد ما يدخل وما كانوا متعمدين، لم يكن متعمداً، فكيف بالقوم الآن في زماننا الذين يدخلون الحرام إلى بطونهم عن عمد؟! إن أبا بكر الصديق أخرج الطعام من بطنه، على أنه جاء من طريق يشتبه فيه وما كان متعمداً عندما أكل، ما كان يدري، كان يمكن له أن يكون معذوراً؛ لأنه لا يدري عندما أكله، لكنه تحرزاً استقاء ما في بطنه، كانوا يخرجون الحرام من بطونهم، أو الشبهة من بطونهم، وكانوا قد أخذوها بغير تعمد، فكيف بالناس الآن الذين يأكلون الحرام وهم يعلمون أنه حرام، ويدخلونه إلى بطونهم وهم يعلمون أنه كسب خبيث؟!!