للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثلاث وعشرون قاعدة في المحبة]

الموضوع التالي: هناك ثلاث وعشرون قاعدة في المحبة.

الحمد لله، نلخص الآن قواعد المحبة التي ذكرها رحمه الله تعالى، وهناك بعض العبارات الجامعة التي ذكرها رحمه الله في كتاب (قاعدة في المحبة) ونرى بعد ذلك ما يمكن أن نأخذه من التفاصيل، أو بعض التفاصيل الأخرى المهمة التي ذكرها.

القاعدة الأولى: الحب والإرادة أصل كل فعل وحركة في العالم.

القاعدة الثانية: أصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها، هي عبادته وحده لا شريك له.

القاعدة الثالثة: لا صلاح للموجودات إلا أن يكون كمال محبتها وحركتها لله.

القاعدة الرابعة: المحبة لها آثار وتوابع، ولها لذة وألم، فاللذة عند نيل المحبوب، والألم عند فقده.

القاعدة الخامسة: كل محبة لا يكون أصلها محبة الله وإرادة وجهه؛ فهي باطلة وفاسدة.

القاعدة السادسة: المحبة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً، فهذه العلاقة بين الدين والمحبة.

القاعدة السابعة: أن بني آدم لا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام، وبُغض شيء عام، وهذا هو الدين المشترك.

القاعدة الثامنة: في قلوب بني آدم محبة لما يتألهونه ويعبدونه، وهذا صلاح القلوب -إذا كان التأله لله عز وجل صلحت قلوبهم بمحبة الله- وكذلك كما أن في نفوس بني آدم محبة لما يطعمونه وينكحونه، ولكن حاجة البشرية إلى التأله أعظم من حاجتهم إلى الغذاء؛ لأن الغذاء إذا فُقد يفسد الجسم، وبفقد التأله؛ تفسد النفس كلها، فحاجة البشرية إلى عبادة الله ومحبته، أكثر من حاجتها إلى محبة الطعام والشراب بما لا يُوصف.

القاعدة التاسعة: قوة المحبة يتفاوت الناس فيها تفاوتاً عظيماً، حتى إن الناس يتفاوتون في الشيء الواحد، والمحبة تارة تضعف وتارة تقوى، فالمحبة مثل الإيمان تزيد وتنقص.

القاعدة العاشرة: محبة غير الله إذا زادت؛ صارت إفراطاً وانقلبت، ومحبة الله مهما زادت؛ فإنها تنفع ولا تضر، فمحبة غير الله إذا زادت عن حد معين؛ تصبح إفراطاً وتنقلب وتصبح ضارة، ومحبة الله مهما زادت؛ تنفع ولا تضر.

القاعدة الحادية عشرة: إثبات المحبة لله على أن محبة الله صفة من صفاته، وإثبات محبة العبد لربه، وذكر أنه ضل في هذا الباب فريقان، فريق جحدوا محبة الله، فقالوا: الله لا يحب، وفريق أدخلوا فيها اعتقادات فاسدة من المتصوفة وغيرهم، فإثبات المحبة صفة لله وإثبات محبة المؤمنين لربهم.

القاعدة الثانية عشرة: محبة ما يحبه الله من الأعيان والأعمال من تمام محبة الله، ولا يمكن أن تُفْصَل، فإذا كنت تحب الله ستحب كل شخص يحبه الله، كل نبي، وولي، وصالح، وعالم قائم بأمر الله، وكذلك ستحب كل عمل يحبه الله من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر ودعاء وبر.

القاعدة الثالثة عشرة: الذنوب تنقص من محبة الله، وذكر رحمه الله هنا أن الذنوب قد تنقص من المحبة ولكن ليس بالضرورة أن تزيل أصلها، مثل الصحابي الذي جيء به يشرب الخمر فلعنه شخص، قال: (لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله) فقد ينقص الذنب المحبة، لكن ليس بالضرورة أن يزيل أصلها، إلا إذا صار الذنب شركاً وكفراً فهذا يزيلها.

القاعدة الرابعة عشرة: الفرق بين الحب في الله والحب مع الله، فالمشركون يحبون مع الله، والمؤمنون يحبون في الله، فقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥] فهؤلاء أشركوا في المحبة بين الله والأنداد، وأما المؤمنون فهم أشد حباً لله من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم.

ولذلك قال: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم) لأن محبتهم للدينار والدرهم والزوجة والقطيفة والخميلة والدنيا صارت محبة شركية، محبتهم للدنيا إن أعطوا منها رضوا، وإذا لم يعطوا إذا هم يسخطون.

القاعدة الخامسة عشرة: أصل العبادة محبة الله، والشرك في المحبة هو أصل الشرك.

القاعدة السادسة عشرة: محبة الله توجب المجاهدة في سبيله قطعاً، إذا كنت تحب الله لا بد أن تجاهد في سبيله.

القاعدة السابعة عشرة: موادة عدو الله تنافي المحبة: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:٢٢].

القاعدة الثامنة عشرة: محبة الله على درجتين: الدرجة الأولى: واجبة.

الدرجة الثانية: مستحبة.

فإذا كنت قائماً بالواجبات ومنتهياً عن المحرمات فهذه المحبة الواجبة، وإذا كنت عاملاً بالنوافل بالإضافة إلى ذلك مبتعداً عن المكروهات والشبهات؛ فأنت عندك المحبة المستحبة.

القاعدة التاسعة عشرة: انقسام الناس في المحبة والإرادة إلى أربعة أقسام -نجمل الأقسام ثم نشرحها-: القسم الأول: قوم لهم قدرة وإرادة ومحبة في أشياء غير مأمورين بها.

القسم الثاني: قوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة لله وقدرة كاملة.

القسم الثالث: قوم فيهم إرادة صالحة ومحبة قوية وقدرة ناقصة.

القسم الرابع: قوم قدراتهم وإرادتهم قاصرة وعندهم إرادة للباطل.

فما هؤلاء الأقسام الأربعة؟ الذين لهم قدرة ولهم إرادة ولكن في محبة أشياء غير مأمورين بها، عندهم طاقة، وقوة، وجهد، وقدرة، لكن ليست في سبيل الله، إما أن تكون في أشياء محرمة أو مباحة غير مأمورين بها، فهؤلاء الأشخاص تلقاهم أصحاب عمل وإنتاج إما في أشياء محرمة أو في أشياء مباحة، مثل الذين يكدحون ويعملون في الوظائف والتجارات، أو يقول لك: أنا عندي هواية في تربية الحيوانات مثلاً، فهذه أشياء غير مأمورين بها، فهم يبدعون وينتجون في أشياء غير مأمورين بها، وليست مما يحبه الله، لكن عندهم قدرة، لكن في أشياء لا يحبها الله.

وقوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة وقدرة كاملة، كعالم مجاهد لله عز وجل، فهذا عنده إرادة وعنده قدرة في العلم والجهاد والصدقة، فهو يعمل في أشياء يحبها الله، فهؤلاء أشرف الأنواع.

والقسم الثالث: ناس عندهم إرادة صالحة ومحبة لله قوية ولكن قدراتهم ناقصة، فهؤلاء يريدون أن يعملوا لمحبة الله ولكن لا يستطيعون، مثل الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (إن بـ المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا سلكتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بـ المدينة، قال: وهم بـ المدينة -ما خرجوا للغزو، من هم هؤلاء- قال: حبسهم العذر) فهناك من يريد الجهاد ولكن ليس عنده سلاح، ولا مال، أو ضعيف البنية، أو مريض، فمثلاً: عثمان تخلف عن بدر؛ لأنه قام على زوجته المريضة، وآخر يريد الصدقة: (ذهب أهل الدثور بالأجور) لكن ليس عنده مال يتصدق به، فهذا صاحب قدرة ناقصة، لكن محبته لله طيبة، فهو حريص على الأشياء التي يحبها الله، ولكن ما عنده قدرة.

القسم الرابع: من قدرته وإرادته للحق قاصرة، وهو يريد أن يقع في الباطل وفيما يغضب الله ولكن ليس عنده قدرة، فهؤلاء ضعاف المجرمين، فلهذا انقسم الناس إلى أقسام أربعة.

القاعدة العشرون: أن المحبوبات على قسمين: القسم الأول: قسم يُحب لنفسه.

القسم الثاني: قسم يُحب لغيره، وليس في هذه الدنيا وهذا العالم والكون شيء يُحَب لذاته إلا الله سبحانه وتعالى.

حتى المخلوقين تقول: أنا أحب فلاناً لأنه عبد لله، لأن القرب منه يؤدي إلى القرب من الله، لكن ليس لذات الشخص، لكن لأن محبة الشخص والتقرب منه تؤدي إلى تحصيل أجر مثلاً، فأنت تحبه، لكن الذي يُحب لذاته فقط، هو الله عز وجل، فإليه منتهى المحبة والتعظيم سبحانه وتعالى.

القاعدة الحادية والعشرون: أن الموالاة تقتضي التحاب والجمع، والمعاداة تقتضي التباغض والتفرق: فالتحاب إذا واليت شخصاً معناه أنك تحبه.

وقد نبه شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة إلى أنه لا يجوز أن يفرق بين المؤمنين لنسب أو بلد أو مذهب أو طريقة أو مسلك ونحو ذلك، وأن الذي يجمعنا كلنا أننا مسلمون موحدون، وأنه بالنسبة للمشركين فنحن في قطيعة وعداوة وكره، ولا يجوز لنا أن نواليهم، موالاتنا للمؤمنين لأننا نحبهم، وذلك يقتضي محبتهم والاجتماع في جماعة، وأما بالنسبة للكفار فإن العلاقة معهم علاقة عداوة، تقتضي قطع العلاقات وكرههم والتفرق عنهم وعدم الاجتماع بهم أو الإقامة معهم، وعدم دعمهم.

القاعدة الثانية والعشرون: إمكان اجتماع المحبة، أي الحب في الله والبغض في الله في شخص واحد: فقد تحب شخصاً لله وتبغضه في الله وهو شخص واحد، وهؤلاء هم الذي خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فلو كان عندك ولي من أولياء الله من العباد، فموقفك منه أن تحبه، ولو كان عندك واحد جبار عنيد كافر فاجر، فموقفك منه أن تبغضه.

ولو وجد شخص فيه هذا وهذا، فيه خير وشر، وصلاح وفساد، وإيمان وفجور، وحق وباطل، وطاعة ومعصية، وحسنات وسيئات، خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، مثل أكثر الناس المسلمين على هذا، فما هو الموقف منه؟ هل تحبه أم تبغضه؟ أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى قاعدته العظيمة التي ذكرها ونافح عنها وشرحها في عدد من كتبه وهي قضية أنه يمكن أن يجتمع الحب في الله والبغض في الله في شخص واحد، تحبه من جهة وتبغضه من جهة، تحبه في الله بقدر الخير الذي فيه، وتبغضه في الله بقدر الشر الذي فيه، وتواليه في الحق وتعاديه في الباطل، وتتعاون معه في البر والتقوى، وتنبذه في الإثم والعدوان، هذه قاعدة مهمة، لأنه بناءً عليها تستطيع أن تتعامل مع الناس.

وذكر أنه بغير هذه القاعدة لا يمكن أن تسير الأمور؛ لأن كثيراً من الناس فيهم شر وخير، والموقف منهم أنه إذا دعاك إلى خير تعاونت معه، وإذا دعاك إلى شر نبذته، وعندما يعمل طاعة تفرح به وتحبه وتثني عليه، وعندما يعمل معصية تكرهه وتنبذه وتكره معصيته.

قال: وهذه القاعدة قد ذكرناها غير مرة وهي اجتماع الحسنات والسيئات والثواب العقاب في حق الشخص الواحد كما عليه أهل جماعة المسلمين من جميع الطوائف، نذمه على فعل السيئات، ونمدحه على فعل الحسنات.

وذكر كلاماً نفيساً فقال: إن بعض الناس عنده السماحة في النفس، بحيث يسمح بالخير والشر، مثلاً: وهناك شخص عنده حب